عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-2011, 10:53 PM   #1
ساروونه
مشرفة قسم استراحة الأعضاء
 
الصورة الرمزية ساروونه
 
تاريخ التسجيل: 01-03-2008
الدولة: K.S.A الاحساء
المشاركات: 24,681
معدل تقييم المستوى: 42
ساروونه is on a distinguished road
افتراضي ومسحــــــــــــت الــــــــرقــــــــــم






ومسحــــــــــــت الــــــــرقــــــــــم



[ 1 ]


( اللهـــم اغفـــر لــه وارحمــــه ، وعـــافــــه واعــــف عنــــه ،


وأكـــرم نُــــزلـــه ، ووســـع مُــــدخلــــــه ، واغسلــــه بالمــــاء


والثلـــــــج والبــــــــرد ، ونقـــــه مــن الخطــــايـــا كمـــا


ينقـــــى الثــــوب الأبيـــــض مـــن الـــدنـــــس )

وأبــــــــدلــــــــه دار خيـــــراً مـــن داره ..

وأهــــــــلاً خيـــــراً مــــن أهلــــه ..


وزوجــــاً خيــــراً مـــن زوجـــه ..)


بالضبط عند هذه النقطة من الدعاء ، كثيراً ما أسرح بذهني
بعيـــداً عن صف المُصلين الذي أقف فيه لأتذكر ذلكـ الشـــاب..






[ 2 ]

لم أراه منـــذ مدة ، ربما أكثر من عشر سنوات.


كان آخر لقاء لنا على مقاعد الدراسة ، وبعدها فرقتنا مشاغل الحياة


وسنين دراسة أخرى طويلة.


ثم انقطعت عني أخبـــاره ، حيث أنه خرج ليواصل دراسته الجامعية خارج البلاد.


كان صاحب عقل متُقد ، وذهن صاف ، فأتم دراسته بتفوق ثم عاد ليعمل في إحدى المؤسسات المعروفة.




[ 3 ]

سمعت بعودة صاحبنا .. فذهبت إلى مكان عمله لأراه ، علنا نجدد عهوداً ماضية ،ولأعرف أخباره .
وعندما التقت الوجوه ابتسم كل منا لصاحبه ابتسامة عريضة ،



وكان عِناق وضحِك ..


ثم قلت له :


لقد نحفت ياعبدالله!


فقال لي مازحاً


وماذا كنت من قبل حتى أنحف أكثر ؟!


ثم ضحِكنا.


هو عبدالله الذي أعرفه ، بروحهِ المِرحة وابتسامتهِ العريضة ،


ونظارتهِ السميكة التي تُطل من خلالها عيناه الذكيتان .


قلت له مداعباً :


ألم تتزوج بعد أيها العجوز ؟


فرد علي :


بل أبشرك أني قد عقدت على بنت الحلال ، وأنا على وشك أن أنتهي من تأثيث الشقة ،
ولم يبق سوى تركيب المكيفات وبعض الكماليات الأخرى ،



لزوم الفرح كما تعرف !


ففرحت وباركت له وأنا أقول :


لا تنس أن تدعونا لوليمة عرسك إذن .


ثم إنني أخذت منه موعداً على أن يزورني في بيتي حتى نجلس سوياً


ويعرف كل منا أخبار صاحبه ، وأعطاني رقم هاتفه .




[ 4 ]

حصلت ظروف طارئة منعتني من رؤية عبدالله في الموعد المضروب ،


فكلمته بالهاتف لنؤجل موعدنا إلى وقت آخر ، فرحب بذلك .


وكانت ظروف عمله هو الآخر غير مواتية ، فكانت تستلزم أن يسافر


بسيارته من منطقة إلى منطقة بين الفينة والأخرى .


وفي أحد الأيام عنت له سفرة إلى إحدى المناطق القريبة ، فلملم


حاجياته وانطلق بسيارته .




[ 5 ]

كنا قد انتهينا للتو من صلاة المغرب ، فأسندت ظهري إلى المتكأ وأنا أردد الأذكار .


وبقيت على تلك الحال برهة من الزمن ، ثم أحسست بهاتفي المحمول يهتز داخل جيب ثوبي .


أخرجته ونظرت إلى رقم المتصل فإذا هو أحد الأصحاب ممن لم أرهم منذ فترة .


رفعت الهاتف إلى أذني مسلماً على صاحبي ، فسلم ورحب بي على عجل على غير العادة ،


ثم قال بنبرةٍ جادة


تعرف الأخ عبدالله ؟!


انقبض قلبي وأنا أقول


خيراً إن شاءالله ، ماذا أصابه؟!!


الأخ توفى اليــــوم . . .


. . . كيــــــــــف ؟!!!!


أقول توفي الأخ في حادث ..


حادث سيارة ، وسيُصلى عليه اليوم بعد العشاء في الجامع ..


أغلقت الهاتف وقد انعقد لساني من فرط المفاجأة ،


لم أكن مصدقاً ولم أستطع أن أصدق ،
ولذا فقد عزمت أن
أخرج فوراً وأتأكد من الأمر بنفسي .





[ 6 ]

زحام شديد عند الجامع ، والناس من جنسيات مختلفة ، وكثير من زملاء عبدالله في العمل موجودون هنا .


وقف أبو عبدالله يستقبل جموع المعزين وهو يحاول أن
يخفي اضطراباً وألماً دفيناً .



جاءت ( ما يقولُ الناس ) أنها جثـــة عبدالله محمولة على الأكتاف .


صلينا على عبدالله ، ولكنني لم أزل غير متيقن تماماً بأنه قد رحل ،


ربما كان في غيبوبة وظنوه ميتـــا !!!


هذا يحصل ، أليس كذلك؟!




[ 7 ]

انطلقتُ أسابق الريح بسيارتي إلى المقبرة ، أريد أن أرى عبدالله قبل أن يُدفن ،


هـــل مـــات فعــــلاً؟!


وضعوه على الأرض ملفوفاً بكفنه ، اقتربت منه وأخذت أتفحصُه
وأتساءل هل من بداخل الكيس هو عبدالله حقـــاً ؟!



وأخذ دماغي يثور بالأسئلة . .


ولكن ياعبدالله لقد تخرجت من الجامعة لتوك ،
ولاتزالُ أمامك الكثير من الأعمال لتقوم بها !



نجاحات كثيرة تنتظر منك أن تُحققهــــا . .


وفتــــاة أحـــلامــكـ هنـــاكـ تنتظــرك . .


والشقـــة التي أكملت تأثيثها . .


والمكيفـــات . .


و . . و . . موعِــــــــــدُنــــــــــا!!


هـــل تسمعنــي ياعبدالله؟!!




[ 8 ]

هذه هي المرة الأولى التي أجيءُ فيها المقبرة ليلاً .


مصابيح إنارةٍ هنا وهناك ، بعضها يرسل شعاعاً قوياً متوهجاً ،


وبعضها يرسل شعاعاً كئيباً باهتاً .


بالنسبة للميت ، ليس هناك فرق بين الليل والنهار ،
فالحفرة مظلمة في كل وقت إلا من نُور عليه قبره .



هاهو عبدالله تحتمله الأيادي ثم يُنزل في قبره .


بدأوا يهلون عليه التراب . .


الأيادي مغبرة ، والأعناق مشرئبة ، والعيون دامعة .


وأخذتُ أرمُقه . .


هل سيتحرك ؟ هل سيتحرر من كفنه وينفض التراب عنه وينتهر من حوله : كُفــــو عن هذا !!


لم يحصل شيء من ذلكـ . .


واستمر التراب يعلو ويتراكم حتى استوت معالم القبر مع ما حولها من الأرض .


إذن . .


فقـــــــــــــــــد مــــــــــــات عبـــــــــــداللـــــــــــــــــــــه . .




[ 9 ]

ها أنذا أمسح رقم صاحبي من مفكرة الأرقام ، فقد صار لغيره ،


ولكنني لم أجرؤ على مسح اسمه ، وأبقيته لأسترجع أشلاءً من ذكراه .


لقد كانت المرة الوحيدة التي التقيت فيها عبدالله بعد عودته من الخارج هي تلكـ المرة عندما زرته في مقر عمله ،
ولم تدم تلكـ الزيارة سوى بضع دقائق .



ولكنه علمني شيئاً مهماً بموته . .


وهو أن كون الإنسان مشغولاً جداً ،


وعندهُ الكثير من الالتزامات والمواعيد ،


وورائه كثير من الناس الذين ينتظرون لقائه . .


أو ينتظرُ هو لقائهم ،


لا فــــــــــــــــــــرق !!


كُــــــل ذلكـ لن يجعل هاذم اللذات يتردد ثانية
ولحدة من أن يضرب ضربته من دونما موعد ولا استئذان .








والآن أيهـــا القراء الأفاضل ، هلاً رددتم معي . .


( اللهـــم اغفــر لـــه وارحمــــه . . و . . و . و . .


وأبــدلــه داراً خيـــراً مــن داره . . .


وأهـــلاً خيـــراً مـــن أهلـــه . . .


وزوجـــاً خيـــراً مـــن زوجـــه . . . . . . )


ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




__________________


خاطرة بقلمي عن حمامتي

لتحميل برنامج الا صلاتي
ساروونه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس