عرض مشاركة واحدة
قديم 24-07-2005, 11:34 PM   #3
شاعرة الحرمان
نائبة رئيسة أقسام الأسرة
 
الصورة الرمزية شاعرة الحرمان
 
تاريخ التسجيل: 16-06-2005
الدولة: الأحساء.الهفوف
المشاركات: 5,577
معدل تقييم المستوى: 26
شاعرة الحرمان is on a distinguished road
افتراضي مشاركة: الرقية الشرعية في الكتاب والسنة

الرقى الشرعية
الدكتور فلاح إسماعيل مندكار
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ باللهمن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبدهورسوله.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتهولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(327).

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسواحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون بهوالأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(328).

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولواقولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاًعظيماً)(329).

أما بعد،

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدىهدى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلبدعة ضلالة.

يقول الله تعالى:

(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةللمؤمنين)(330).

ويقول أيضاً جل وعلا:

(قل هو للذين آمنوا هدىوشفاء)(331).

327-سورة آل عمران: (102).328- سورة النساء: (1).

329- سورة الأحزاب: (70/71).

330- سورة الإسراء: (82).331-سورة فصلت: (44).

إن موضوع التدواي والرقية بالقرآن الكريم منأهم الموضوعات التي اعتنى بها المسلمون قديما وحديثا، والتي استحوذت على أذهانهم،وشدت انتباههم، وأثارت تساؤلات كثيرة حول مفهوم هذا التداوي، وأبعاده وجوانبه؛لتحديد جدية هذا الاستشفاء، وكيفية الإفادة منه، مع مراعاة الجائز والممنوع منه. وهذا يدل على حرص المسلمين على فهم كتاب ربهم والإفادة منه، وعلى البحث في ثناياه؛تجلية لإعجازه، وعظيم تنزيله من لدن حكيم خبير، تأكيداً وتصديقاً لقول الحق تباركوتعالى:

(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بينيديه ولا من خلفه)(332).

وكذلك يدل دلالة واضحة على حب المسلمين لحياةخالية من الأدواء ليكونوا أصحاء أقوياء، ليكونوا أمة قوية سليمة من الأمراض والآفاتوالعلل التي توهن وتضعف المجتمع.

وكذلك يدل على حرصهم على سبل وأسباب الوقايةوالعلاج في ظل توجيهات الدين الحنيف، وعلى سعيهم لتحقيق ما جاء في الكتاب والسنة منالأمر والتوجيه بالعلاج والتداوي وعدم الاستسلام للأمراض والعاهات. كل ذلك سعياًمنهم إلى التطلع لنيل خيري الدنيا والآخرة، وليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، ويزدادوايقينا على يقينهم في صدق وعد الله ووعد رسوله، وفي شهود روائع وعجائب ومعجزات آياتالله تعالى ووحيه الكريم.

ومشاركة مني في ذلك، وإسهاما في بيان هذهالحقائق؛ كان هذا البحث المتواضع مني نصحا لله ولكتابه ولرسوله وللأمة وأهلالإسلام.

الرقى الشرعية

وهو بحث موجز على ما تسمح به أطر هذا المؤتمرالمبارك إن شاء الله،

332- سورة فصلت: (41/42).

ومستعينا بعد الله عز وجل بما كتبه أهلالعلم، ومستفيداً من جهودهم المباركة في بيان الحق. وأتقدم بعد شكر الله عز وجل،بالشكر للقائمين على هذا المؤتمر، ولمن أسهم في عقده ماديا ومعنويا، ولمن أسهم فيهعلميا، وشارك في بحوثه.

تمهـــيد

إن القرآن الكريم شفاء للقلوب، فهو يزيلالران الذي يعتريها ويعلوها فيمرضها ويهلكها مما يعرض عليها من الآفات بسببالخرافات والأوهام والضلالات والبدع، وكذلك بسبب ما يرهقها من الوساوس، والخطرات،والشبهات. فإن ذلك يجهد القلوب ويملؤها من الهموم والأحزان والشكوك، ويحملها علىالذل والعبودية لغير الله، وعلى الخوف من غير الله تبارك وتعالى.

فالقرآن فيه شفاء من هذا كله، لأنه حق، وكلامالله الحق. فإنه يتغلغل في القلوب ويصل إلى سويدائها فتسكن وتطمئن، ثم تشعر بالتيقنمن وعد الله المطلق في الحياة الدنيا وما بعدها.

قال تعالى:
(
الم ذلك الكتاب لا ريب فيههدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنونبما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئكهم المفلحون)(333).

ويقول أيضاً عز وجل:

(طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرىللمؤمنين)(333-أ).

ويقول أيضاً تبارك وتعالى:

(.... فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرءوزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)(334).

(333)- سورة البقرة: (1).

(333-أ)-سورة النمل: (1-2).

334- سورة البقرة: (102).

ويقول أيضاً عز من قائل: (الله نزل أحسنالحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهموقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء)(335).

والقرآن الكريم شفاء للعقول والفكر الذيانحرف عن الاستقامة وسلامة التفكير وصحة التوبة بسبب الأمراض التي تؤثر علىالتفكير، فتحول بين العقل وبين مقتضاه، وبين التفكير الصحيح ولوازمه. وأمراض العقولهي الآصار والأغلال التي تقيد العقول وتنحرف بها عن الجادة القويمة والتفكيرالصحيح. فالقرآن الكريم شفاء لهذه العقول وتصحيح لمسار الفكر بتخليصها من غلالتقليد، ومن التعلق والتبعية لجهة غير معصومة، واتباعها بلا دليل ولا عقل ولابرهان. وبتخليصها أيضاً من العثرات والسقطات في ضلالات موروثات الآباء ومألوفاتالأجداد رغم ترديهم في العمى والخرافة، وانحرافهم الفكري، وتلبسهم وخلطهم الحقبالباطل. فالقرآن الكريم شفاء للعقول وهداية ونور لتصحيح مسارات الفكر لتتفق معالفطرة التي خلقهم الله عز وجل عليها؛ فهو يحرر العقول من ذل التبعية الخاطئة،ويعتق الضمائر البشرية لتمارس حقها في التفكير، ويطلق الفكر من القيود ليتدبرويتأمل ويستقل في ظل حدوده الشرعية.

قال تعالى:

(وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهمبذلك من علم إن هم إلا يخرصون أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون. بل قالواإنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون. وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قريةمن نذير إلا قـال مترفوها انا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنامنهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين)(336).

335- سورة الزمر: (23).

336- سورة الزخرف: (20-25).

وفى القرآن الكريم إرشاد للعقول بعد تحريرهامن ذل التبعية، وتوجيه إلى الطريق السوي من حيث صحة النظر، وتوجيه الفكر إلى النظروالتدبر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله، وفي هذا شفاء للعقول من سقامالجهل، واختلال الفكر، وفساد الاستنتاج، وفيه أيضاً كفها عن تبديد الطاقات، وإنفاقالجهود فيما يتعلق بما لا يغني ولا يجدي مثل أمور الغيب التي غيبها الله عن مداركالعقول والحواس.

قال تعالى:

(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليلوالنهار لآيات لأولي الألباب)(337).

وقال تعالى:

(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وماخلق الله من شيء)(338).

وقال تعالى:

(وفى الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلاتبصرون)(339).

وقال تعالى:

وقال تعالى: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىللمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بماأنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)(340).

337- سورة آل عمران: (190)

. 338- سورة الأعراف: (185)

.339-سورة الذاريات: (20-21)

.340- سورة البقرة: (1-4).

وقال تعالى:
(
هو الذي أنزل عليك الكتابمنه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فيالعلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب)(341).

وقال تعالى:
(
ما أشهدتهم خلق السماواتوالأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً)(342).

وفى القرآن الكريم شفاء للنفس البشريةوعلاجها وصحتها من أمراض الهوى وأدناس وأرجاس متابعة الملذات وتحقيق الشهوات، ومنالطمع والحسد وغيرها من الأمراض النفسية والاجتماعية التي تفتك بالنفس، وتضعفالمجتمع، وتجعل الإنسان أسيراً لأهوائه وشهواته، وسجينا لملذاتهوأطماعه.

فالقرآن الكريم يحرر النفس من هذا الأمر ومنالانقياد وراء الزائل الفاني لتسمو برغباتها وأهدافها نحو الكمال البشري، ولتعلو عنمواطن العلل والآفات والأمر بالسوء، ولترقى إلى أعلى درجات الاطمئنان.

فالقرآن الكريم شفاء للقلوب، وشفاء للعقول،وشفاء للنفوس البشرية، وهذا ما يريده الله عز وجل من خلقه أن يكونوا أصحاءأقوياء.

إن المرء إذا سلم قلبه، وصح عقله بالمنهجالقرآني، وتغذى به، واستقام على هديه ثم اطمأنت نفسه، وسلمت من آفاتها وأمراضها،وترفعت عن الأمر بالسوء أو الهم بالباطل. أقول إذا حصل ذلك كله للمرء فإنه الإنسانوإنه العبد الذي أراده الله تعالى، فانه بذلك يتعرف حقيقة على الغاية من خلقهوإيجاده، ويتعرف على صفات الباري جل وعلا، ويدرك كماله وجلاله في خلقه وإبداعه، وفيأمره ونهيه،

341-سورة آل عمران: (7)

.342-سورة الكهف: (51).

ويتعرف كذلك على غاية إرسال الرسل وإنزالالكتب، وعلى غاية الحياة الدنيا، ويدرك البرزخ وما بعد الموت، والحياة الأخرى بعدالبعث والنشور وبعد الحساب والجزاء من الله تعالى على ما قدم وما فعل وعمل، وبذلكيدرك ويتعرف على حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق، ويدرك دوره والأعمال المنوطةبه في هذه الحياة الدنيا من خلافه وعمارة، ومن ثم يلتزم ما يمليه عليه القلب السليموالعقل الصحيح والنفس المطمئنة، فتزول الأمراض والأحقاد التي تفتك بالفرد أولاً ثمبالمجتمع ثانياً، تلك الأمراض التي تذهب بتماسك المجتمع والجماعة، وتزلزل أمنهاوطمأنينتها، وبالمقابل تسود الأخلاق وتظهر الفضيلة ويشيع المعروف ويزول المنكر،وتكثر الطيبات وتوءد المنكرات وترتفع الآصار والأغلال، فتنطلق القلوب السليمةوالعقول الصحيحة، والنفوس المطمئنة إلى بناء المجتمع والأمة على أساس صحيح ومنهجرباني قرآني قويم.

قال تعالى:
(أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراًيمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)(343).

وقال تعالى:
(
مثل الفريقين كالأعمى والأصموالبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون)(344).

التداوي بالقرآن

إن التداوي بالقرآن الكريم والاستشفاء به منالأمراض الجسمية والآفات والعلل العضوية عن طريق تلاوته أو قراءة بعض سوره وآياتههو المقصود في هذا المقام، ولأجله ينعقد هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله، سواء كانسبب المرض من سوء في التصرفات، أو التعرض لبعض الإيذاء من الدوابوالهوام

343- سورة الأنعام: (122).

344- سورة هود: (24).

، أو مس وإيذاء واعتداء من الجن أو غيرهم منالمخلوقات، أو كان تلفا وخللا في بعض الأجهزة العضوية وغيرها، وهذا موضوع قد كثرحوله الكلام وطال فيه الجدل والخلاف، بين مانع من ذلك جملة وتفصيلاً بأدلة عقليةوأقيسة منطقية بزعمه، وبين مغالٍ في إجازته معتمداً عليه معرضاً عن بذل الأسبابالمادية الحسية وعن التداوي بغيرها والاستشفاء بما نفعه من خلال التجربة، والدراسةالعلمية. والحق إنما يتوسط بين الجافي والغالي، ويعتدل بين الإفراط والتفريط. والتداوي والاستشفاء بالقرآن الكريم جاء في النصوص الشرعية الثابتة، ويقرره العقلوالقياس الصحيح، لذلك وجب التصديق به، والإيمان بما جاء به النص، وأجازه العقل،والنصوص الشرعية كثيرة جداً، منها:

أ- قول الله تعالى:
(
وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين)(345).

وقوله تعالى:
(
قل هو للذين آمنوا هدىوشفاء)(346).

ولفظ "شفاء" عام يتناول شفاء الأمراض القلبيةوالعقلية، كما يتناول الأمراض الجسدية والعوارض المادية الحسية. والأصل بقاءالعـام

على عمومه وعدم تخصيصه إلا بمخصص، ولا مخصصهنا- على ما قرره العلماء.

أ- ما جاء في سنة رسول الله صلى عليه وسلم،فقد ثبت أنه استشفى واسترقى ببعض آيات القرآن، وأمر بذلك وأوصى به، وفعله عليهالصلاة والسلام لنفسه ولغيره، وأقره كذلك من فعل بعض أصحابه رضي الله تعالىعنهم.

345- سورة الإسراء: (82)

.346- سورة فصلت: (44).




__________________
شاعرة الحرمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس