{ ... مدخ ـــــــل ..
{ من كان يعبد محمدا , فإن محمدا قد مات ..............
::: اشتـــــــــــداد الكـــــــرب و كمـــــــال الصدّيــــــــق :::
وبهذه الطريقة مات صلى الله عليه وسلم , و قامت عائشة تبكي في طرف البيت , و ما أن علم الناس بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى طاشت عقولهم , و عمتهم الحيرة , و أقعدتهم الدهشة , و أظلمت الحياة في وجوههم , فاختلط بكاء الرجال بالنساء و الأطفال , وامتلأت السكك حول بيته صلى الله عليه وسلم , حتى إن عمر الفاروق رضي الله عنه , الرجل القوي في ذات الله , الرجل الشجاع , قام يحلف للناس بأن الرسول ما مات , حيث قام على المنبر وقال : من زعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام مات ضربت عنقه بهذا السيف , إنه لم يمت و إنما عرج به , كما عرج بموسى وسوف يعود , ووقف عمر بن الخطاب يشكك الناس ويقول : لا تقولوا مات الرسول صلى الله عليه وسلم .
و كان أبو بكر مع فرسه بالعوالي , فسمع الخبر فركب فرسه , فأنزل الله السكينة على أبي بكر , انظر الثبات من الله , لأنه لو انهار أبو بكر , لانهارت الدولة , وكان أبو بكر رقيقا بكّاء , كان ليّنا رضي الله عنه لا يملك دموعه , ولا بكاءه , يرتجف كالطائر , و مع ذلك ثبته الله و أنزل عليه السكينة .
فدخل و إذا الناس مكتظون , و إذا البكاء والدموع و الأسى واللوعة , رجالا ونساء و أطفالا , مات أبوهم ومعلمهم , مات رسولهم ونورهم , ماتت حياتهم و أملهم المشرق , فدخل أبو بكر في ثبات , فنزل من على الفرس ومعه عصا , فشق الصفوف , ولم يتكلم مع أحد , ودخل ثم أتى إلى بيت عائشة ابنته , و أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم , و رفع عن وجهه الشريف الذي هو أبهى من القمر و أجمل من الشمس و أعطر من المسك الأذفر , فرفع عن وجهه ثم دنا , فقبل خده , ثم دمعت عيون أبي بكر , وقال : بأبي أنت و أمي ما أطيبك حيا , وما أطيبك ميتا , والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا . ثم خرج إلى المسجد فأتى إلى المنبر , وقال لعمر وهو يصيح في الناس : على رسلك , فلما تكلم أبو بكر جلس عمر وسكت , وسكت الناس , ثم صعد أبو بكر على المنبر , وقال : أيهــــــا النـــــاس ! من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات , و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت , يا للعظمة , يا للقوة , يا للشجاعة , يا للثبات , هذا أبو بكر إمام المسلمين , قامع الردة , بطل المحنة , ناصر السنة , من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات , فلما سمع عمر كلام أبي بكر هوى على وجهه , ثم تلا أبو بكر هذه الآية : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين } .
قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها , فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي , وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات . فتأكد الناس , ونزل أبو بكر رضي الله عنه إلى السقيفة .
أما حال بعض الصحابة فهذه مشاهد ولقطات سريعة لحالهم ::
فهذا عمر رضي الله عنه يسقط على وجهه فلم تحمله قدماه , و أخذ يرتجف فأغمي عليه , وقال : و الله كأني ما سمعت الآية إلا ذاك اليوم : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } .
و أما عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد قال عنه صاحب مجمع الزوائد بسند حسن : أصابه ذهول , يمر عليه الرجل ويسلم عليه و لا يعلم هل سلم عليه أو لم يسلم عليه , و يمر على الزبير و أبي طلحة فما يسلم , فذهب الزبير إلى أبي بكر فشكاه قال : مرّ عثمان علي فلم يسلّم , فدعاه أبو بكر قال : ما سلمت على الزبير , قال عثمان : والله ما رأيت الزبير , وما علمت أنني مررت عليه , وما أدري هل سلمت أو لم أسلم , قال : ولماذا ؟ قال : ذهلت بعد ما مات الرسول عليه الصلاة والسلام .
و أما علي رضي الله عنه فأصابه مرض في جسمه فتشافى .
و أما عبد الله بن أنيس وقيل غيره أنه ذاب , ثم مات بعد ثلاثة أيام , ذكره الصالحي في السيرة .
::: غـــــــــسل الحبـــــــيب , وكفنــــــــه , و دفنـــــــــــه :::
ولما فرغ الصديق , و فرغ الأصحاب من البيعة , و بويع لأبي بكر الصديق بالخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته , أقبلوا على تجهيز الحبيب صلى الله عليه وسلم , فتولى غسله آل البيت وهم : علي بن أبي طالب , والعباس بن عبدالمطلب , والفضل وقثم ابنا العباس , و أسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان العباس وولداه يقلّبانه , و أسامة وشقران يصبان الماء , وعلي يغسله بيده فوق ثيابه , فلم يفض بيده إلى جسده الطاهر قط , فلم يرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرى من الميت , وكان علي يغسله ويقول : بأبي أنت و أمي , ما أطيبك حيا و ميتا , وكفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب , ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا .
و من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم , أنهم اختلفوا , هل يغسلونه كما يغسل الرجال بأن يجرد من ثوبه ؟ فأخذهم النوم وهم كذلك , و إذا بهاتف يقول : غسّلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه , ففعلوا , و لما أرادوا دفنه اختلفوا في موضع دفنه , فجاء أبو بكر _ رضي الله عنه _ وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض " . فرفع فراشه صلى الله عليه وسلم وحفر في موضعه , و ذلك بأن حفر له أبو طلحة الأنصاري لحدا .
وروى البيهقي وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للصحابة : " إذا وضعتموني على شفير القبر فانتظروا ساعة فإن الله سوف يصلي علي , ثم انتظروا قليلا فإن الملائكة سوف تصلي علي , ثم صلّوا علي زرافات و وحدانا " .
فدخل الناس أرسالا يصلون عليه فرادى : الرجال , ثم النساء , ثم الصبيان , ثم العبيد , ولما فرغوا من الصلاة عليه دفن صلى الله عليه وسلم وذلك ليلة الأربعاء , و كان الذي نزل في قبره علي بن أبي طالب , والفضل وقثم ابنا العباس وشقران , و أثناء ذلك قال أوس بن حولى الأنصاري لعلي : أنشدك الله و حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم , أي أن تأذن لي في النزول إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأذن له بالنزول في القبر معهم فنزل , و سووا عليه التراب ورفعوه مقدار شبر عن الأرض .
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم , وعمره ثلاث وستون سنة , و لم يخلّف من متاع الدنيا دينارا ولا درهما , بل مات ودرعه مرهونة في كذا صاعا من شعير .
فصلى الله عليه وسلم , يوم ولد , و يوم مات , و يوم يبعث حيّا ..
" اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا "
.... مخ ــــــرج ... }
............ و من كان يعبد الله , فإن الله حي لا يموت }
دمتـــــــــــمـ فـــــــيـ حفــــــظ اللــــــهـ و رعايتـــــــــهـ ....
// العنــــsmileـــــود //