عذاب السنين

[ابراهيم الدريعي]

0033CC[frame="6 80"]عذاب السنين
شاعرنا لا كالشعراء احببته دون أراه منذ ما يزيد على 35عاما عندما كنت طالبا في كلية اللغة العربية ، أحسست أن شعره ينبع من معين صافي يتدفق سلاسة وعذوبة، فقد كبلته الأحزان وقيدته المآسي والإحن ، بخل به الزمان فأخذه في عز شبابه وفي قمة مجده وعنفوان شبابه ولكن لا نقول إلا مايقوله الصابرون الصادقون ( إذاجاء أجلهم لايستقدمون ساعة ولا يستأخرون ) شاعرنا واحد من الشعراء الذين روتهم ارض نجد بمائها واستنشقوا عبيرها وشموا عرارهاوخزاماها وأظلتهم سماءها،عاش حياته عيشة البؤساء والفقراء ، مع أنه يملك موهبة شعرية نادرا أن توجد في مثله أعطتهه بعض صحفنا جل إهتمامها فنشرت قصائده ولاسيما مجلة اليمامه ، ولكن المرض قطع المسيرة فتوقف العطاء ، وصرنا نردد أبياتا قالها في صحوه قبل مرضه وفي رشده قبل سقمه ، كتب عنه الكتاب وأشاد به النقاد والشعراء في مجالسهم وندواتهم وأول من كتب عنه الشيخ / عبدالله بن إدريس في كتابه ( شعراء نجد المعاصرون ) والدكتور / محمد بن سعد بن حسين في كتابه ( الشعر الحديث في نجد ) فيما يزيد على 50 صفحة لقد وصفه في أصالته بطرفة بن العبد من الشعراء القدماء وبرقة شعره بالشابي من الشعراء المحدثين وكلاهما ماتا في عز الشباب مثله ، ولد شاعرنا في قرية من قرى نجد تسمى : (مرات) عام 1358هـ واسمه حمد بن سعد الحجي وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية انتقل إلى الرياض حيث التحق بالمعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وواصل دراسته حتى السنة الثالثة في كلية الشريعة ولما رأى المسؤولون في الرئاسة العامةللكليات و المعاهد العلمية تدفق عاطفته الشعرية وحبه للشعر وشغفه به نقلوه إلى السنة الثالثة في كلية اللغة العربية ولكنه أصيب قبل تخرجه عام 1380/1381 بمرض عضال اسمه الشزفرينيا( الفصام العقلي) وارسل للعلاج في الكويت ولبنان وفي لندن ومصر ولكن هذا المرض اللعين استعصي علاجه فنصح أطباؤه أن يعود إلى قريته ويبقى فيها ، فصار يتردد على المطاعم والمقاهي في طريق الحجاز حاسر الرأس رث الثياب يلتقط بقايا السجائر ممن يرتادون هذه المقاهي من المسافرين وغيرهم ، بعدها اخذ إلى مستشفى شهار بالطائف ( مستشفى الصحة النفسية ) ليبقى فيه ، ولكن بدون فائدة ، حتى توفاه الله – رحمه الله رحمة واسعه وعوضه عما خسره من شبابه وكان يقول في مرضه شعرا ركيكا متقطعا مثل ما يقولون في المثل العامي ( خيط وخيط ) وليس كشعره قبل مرضه ، نشرت شيئا منه إحدى الصحف المحلية ، عني بشعره من بعده أديب وكاتب معروف هو الاستاذ/ محمد بن أ حمد الشدي رئيس جمعية الفنون الشعبية بالرياض فجمع ما استطاع إليه سبيلا من اشعاره المتفرقه في الصحف وفي غيرها مما يحفظه جلاسه ومعارفه في ديوان صغير عدد صفحاته 136 صفحة من القطع الصغير ونشرت ديوانه د\ار الوطن للنشر والإعلام بالرياض في شهر/جماد الأولى 1409هـ 0
لن أطيل في التعريف بشاعرنا فأنا أحس أن القاريء العزيز متشوق للإبحار مع الشاعر في شعره الرصين الذي يتدفق عذوبة ورواء ، لكنه ينبض بالألم الذي يعصر فؤاده ، والسخط الذي أقض مضجعه إنه يشعر بمتناقضات الحياة ، وما يشاهده من أمور تغضبه ولا ترضيه ، إنه يقارن نفسه البسيطه ويبحث عن ذاته في هذا الكون الفسيح فلا يجد إلا الغربة والقهر والظلم إنظر إليه في هذه القصيدة لتدرك ما الذي أضناه واتعبه :
في زمرة السعداء
أأبقى على مر الجديدين في جوى === ويسعد أقوام وهم نظرائي ؟
ألست أخاهم قدفطرنا سوية ====== فكيف اتاني في الحياة شقائي
أرى خلقهم مثلي وخلقي مثلهم === فما قصرت بي همتي وذكائي
يسيرون في درب الحياة ضواحكا======= على حين دمعي ابتل منه ردائي
أكان لساني إن نطقت ملعثما====== وكانوا إذا ناجوامن الفصحاء؟
وهل كنت إما اشكل الأمر عاجزا===== وكانوا لدى الجلى من الحكماء ؟
ولست فقيرا أحسب المال مسعدا==== وليسوا إذا فتشتهم بثراء
وهل لهم جود بما في أكفهم ========= وإني مدى عمري من البخلاء ؟
وهل أصبحوا في حين أمسيت مانعا === يجودون بالنعمى على الفقراء؟
واصبحت في هذي الحياة مفكرا======= فجانبت فيها لذتي وهنائي
ومن يطل التفكير يوما بما أرى ===== من الناس لم يرتح ونال جزائي
انظر إلى البيت الأخير إنه جرى مجرى الحكمة والمثل ، فالشاعر يذكر سبب شقائه ويدركه إن تفكيره الدائم في متناقضات الحياة هو الذي سلبه السعادة وأرداه في الشقاء ، فأمثال الحجي ينعمون بالذكاء والألمعية فلا يصلون إلى ما يريدون ، وأناس آخرون يقلون عن الشاعر ذكاء وفطنه وصلو إلى اعلى المراتب ، وشاعرنا في مكانه راوح ، الدنيا كما يقولون حظوظ يوم لك ويوم عليك إقرأ معي هذين البيتين لشاعر شعبي :
إن جاد حظك باع لك واشترى لك 0000 مرابح من كل الآفاق تاتيك
وإن ترادى حظك عزي لحالي وحالك 0000 تصير كل زلات العرب فيك
وقال آخر :
سميت ناصر عقب مانيب رعبوب ==== والمال يرفع كل من فيه عذروب
نعود لشاعرنا المبدع لعل ظروفه البيئية التي تمثلت في فقره وفاقته ويتمه إذ عاش طفولته عند أخته وكان يلتحف الثرى في بيت والده الذي على مايبدو توفي وتركه وحيدا أما امه فقد توفيت وهو صغير ففقد عطف وحنان الأم وحبها وكان لذلك اثره السلبي على تشكل شخصيته كما أن تشرده وألمعيته وحساسيته الزائدة واستعداده للمرض كانت مما سبب له المرض الذي عجز الأطباء عن علاجه 0
على الرغم من بؤس شاعرنا وفاقته فإنه قال شعرا رقيقا في الغزل لعل ما دفعه إلى ذلك حاجته إلى من يعطف عليه ويحسسه بالحب فقال:
أيا باعث الشكوى بنفسي ألم يحن ===لقاء لكيلا تستبد بي الشكوى ؟
بكيت ولو أني على الصبر قادر ==== كتمت ولكني على الصبر لا أقوى
لقد ذقت منك الحب مرا مذاقه ==== وإني لأرجو أن تصيره حلوا
فلو أن جسمانا تقطع بالجوى ======= لما أبقت الأشواق مني ولا عضوا
سكنا بقروى والحبيب جوارنا ====== فلله مغنى قد سكناه في (قروى)
شربنا به كاس الصبابة والهوى ===== وحملني –ياويحه – أعظم البلوى
هكذا عاش الشاعر في قروى في الطائف ليال جميله وممتعة ولكنها ليست طويلة فما اقصر ليل العشاق إذا كانوا متقابلين يجمعهما سقف واحد وما أطول الليل على من عاش بعيدا عن حبيبه ، إذا الشاعر تجرع كأس الفراق ومرارة الحب وعصفت به ألأحزان من كل جانب فعاش حياته سوداوي المزاج فلا يرى للحياة طعما كما أن شاعرنا لم يذق حلاوة الحب كما تشير إلى ذلك أبياته السابقه، لقد ذقت منك الحب مرا وكان يتمنى أن تصير محبوبته هذا الحب حلوا كما يشعر بذلك غيره من الأسوياء، وظهر في شعره شيئا من الرومانسية ونظرته السوداوية للحياة وما فيها من مباهج ومسرات كقوله :
لاأرى حمرة الورود ويدمي ----- شوكها أنملي كبعض الحراب
إن تغنت حمائم ملت عنها ==== ثم أرهفت مسمعي للغراب
هاذان البيتان ينطبق عليهما قول أبي الطيب المتنبي :
ومن يك ذا فم مر مريض ==== يجد مرا به الماء الزلالا
أصبح الشاعر لايحس بطعم الحياة ولا بجمالها بل يرى أن كل شيء فيها مر وهذه نظرة تشاؤمية تدل على مرضه النفسي وتعكر مزاجه0
الغريب في الأمر أن شاعرا مثل الحجي كان يجب أن، يدرس الناشئة أدبه وشعره فيضمن أحد كتب الأدب والنصوص في المرحلة الثانوية ، لأنه يمثل موهبة شعرية وطنية جدير بها أن تدرس لأبنائنا ، فالحجي من أبرز شعراء العصر الحديث الذين حافظوا على أصالة الشعر وجماله ، بما يحويه ديوانه من رقة وسلاسة في الألفاظ وبعد عن الغرابة والتكلف وصدق في العاطفة ، وتحليق في عالم الخيال والتزام بعمود الشعر العربي الموزون المقفى 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــالمراجع / كتاب شعراء نجد المعاصرون تأليف / الأديب عبدالله بن إدريس، كتاب الأدب الحديث في نجد تاليف / ا0د 0 محمد بن سعد بن حسين ( محاضرة) ، ديوان الشاعر ( عذاب السنين ( جمع وترتيب الاستاذ/ محمد بن أحمد الشدي 1409 ، مجلة اليمامة أعداد قديمة 0[/frame]

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

[أبوعبدالرحمن]

شعر راقي للشاعر حمد الحجي

فعلا طلابنا بحاجة الى مثل هذا الشعر الأصيل

يعطيك العافية اخوي ابراهيم

بانتظار جديدك

[Joore flower]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم الدريعي

0033CC[frame="6 80"]

ومن يطل التفكير يوما بما أرى ===== من الناس لم يرتح ونال جزائي
[/frame]

يعـــــــــــــــــطـــــــــيك العـــافــيـــة أخـــــــــي أبـــــــراهـــيــــــــم ... وغــــــفـــــر الله لـــــــــه ... نـــحــــــن فـــعــــــلاً بـــحــــاجـــــة لـــمــثــــــل هـــــذه المـــواضــيــــع ....
تــــقـــبــــــل مــــــــــــــروري .... دمـــــــــت بــــــــــــــــود ...

[♥مـــــــــلآگ♥]

أكان لساني إن نطقت ملعثما====== وكانوا إذا ناجوامن الفصحاء<<<رآآآآآآئـــــــعــــــــة ججـــدآآآ.

يــعــطـيــــــــــــك آلف عـــــــــآفيـــــــــــة ي رب..

[ربمـــا ابـــدع يوما]

معلومات قيمه تشكر عليها
ا/ ابراهيم الدريعي

جزاك الله خير

وبارك الله فيك