حكايه : وطنٌ لقطرة

قبل سنوات، عندما كنت طفلة في الابتدائية، كنتُ أهوى كتابة الحكايات ، لأضحك عليها لاحقاً، كنت مع الوقت أضحك على أخطائي الإملائية، والتي لم أتخلص منها جميعاً إلى اليوم، وكنت أضحك على جنون حكاياتي، وأتخيلها أفلاماً تعرض في شاشةً داخل رأسي، كنت لذلك أهوى جمع الدفاتر الكبيرة، كانت كأشرطة فارغة أملأها بالمشاهد التي يعج بها رأسي.
لاحقاً حرقتها ، ولم أبقي على أي منها ، كان الخوف من أن يسخر منها أي من قارئيها يؤرقني، لا أستطيع تفسير الأمر اليوم، لكنه كان سري الصغير، الذي كنت أخجل منه، إلى وقت قريب ، حين قررت البوح به.
هذه الحكاية التي سأرويها اليوم ، تحمل صوراً في مكان ما في ذاكرتي، يبيدوا بأن الفيلم قديم، وبعض صوره تعلوها غمامة .
قلمي اليوم يسند قلمي الصغير، ويعيد حكايته للحياة ، بكل تأكيد هي ليست ذات الحكاية ، ولكنها تحمل ذات الإحساس، وذات الغاية .
وطنٌ لقطرة
يُحكى بأن للماء حياة لا يعلم بها البشر، حياة تنتمي لبعد أخر، لا ندركه بحواسنا، مغامرات يخوضونها ، آلام يتجرعونها ، وأفكار تحتدم نقاشتهم حولها ، ولكن يقال بأنهم لا يختلفون ، وبأنهم يحملون قلوباَ عذبة، وعلى حب بعضهم متحدون، إلا أن ما نعرفه من تشوه في البحر، من ملوحة أو تلوث أو فساد فيه، كان من صنع أيدينا البشرية.
في صباح يوم ما ، قبل فجر التاريخ، قبل أن يكون هنالك أي حياة على الأرض، وقبل البشر، ربما قبل ذلك بقليل، كان الماء مُجتعماً في عالمه النقي، قبل أن يُكتشف العالم السُفلي، كان الماء في جيله الأول ، نقياً عذباً، لا يحمل حقداً ولا غلاً.
أجتمع الماء في غيمة بيضاء ، تعبر السماء ببهجة، ترسم بياضاً صافياً، لا يُحمل له تأويل، ولا يُخشى منه أي أذى، كان الماء شحيحاً في ذلك الجيل، بضع قطرات لا أكثر، يستأنسون ببعضهم البعض، إلا أن ذلك اليوم كان يحمل لهم شؤماً، حيث هرع أحدهم إليهم إثر تأخره في الاستيقاظ ، يصرخ فزعاً من كابوس راوده.
حاول أهله تهدئته ، لكي يحكي ما رأى، أنصت الجميع بلهفة، فلم يكن أحدهم يعرف شيئاً عن الكوابيس والرعب، كان الفضول يأسرهم، حين بدأت القطرة بالحديث:
- إن هنالك وحوشاً قادمة ، عالم سفلي يتكون ، أشكالهم غريبة ، هم لايُحلقون ، لا يتفقون ، و على بعضهم يتآمرون.
قفز أحدهم ساخراً:
- إن لك خيالا خصبا يا صاحبي، هل أصبت بالجنون؟
عالم سفلي ووحوش؟
عاد القطرة الأولى للحديث:
- لقد أخبرتكم، سيكونون هنالك خلال فترة وجيزة ، وسيقتحمون عالمنا ، سيًدعون محبتنا ، وبأننا سر حياتهم ، لكن لا تأمنوهم، فهم على جنسهم لا يؤتمنون.
صمت الجميع ، واقشعرت قطرات الماء، احتاروا في آمرهم ، إلى أن قرروا، تنصيب حاكمٍ لهم ، ينظمهم ، ويحفظ آمنهم .
تسارع الزمن ، وتكون العالم السفلي أسرع مما خُيل لقطرات الماء.
بدأت البشرية ، تدافعت قطرات الماء لمشاهدة هذا الكائن الغريب ، يسير على قدمين ، يبحث عن شيء ما، تعثرت القطرات في بعضها ، تساقطت من الغيمة أثناء تساقطهم ، انتبهوا لوجود ، غيوم أخرى تساقطت، قطرات لم يرونها يوماً، كل الغيوم هائجة ، القطرات تتدافع دون توقف، الفضول قتلهم!
لامست القطرات الأرض ، صلبة أكثر مما تبدوا من بعيد ، تشربت الأرض الماء .
بزغ فجر جديد ، على جيل جديد من الماء، تكونت أنهار وبحيرات ، محيطات ضخمة جمعت حشوداً من القطرات ، كانوا متفقين، كما في وطنهم الأول السحاب، لكن البشر بدئوا بالتدمير، حروب على الماء،.
كانت القطرات تتناقل عبر المحيطات والأنهار والبحار، هذه الحكاية يا ولدي عن عالم قديم ، كانت فيه القطرات تعيش بعذوبة ، قبل هذا الزمن بوقت طويل.
قيل بأنها أسطورة ، وبأن الحياة لا يمكن أن تبدوا على غير هذا المنوال، لكن الأمور كانت تزداد سوءاً، مع تطور البشر وتوغلهم في الحياة ، واستكشافهم للأرض، بدئوا يقسمون اللأراضي و يستولون على خيرات الأرض، بدأت الحرب تسود في المحيطات، والبحار، ومع مضي الوقت استشرى الدمار على الأرض.
يعود الفضول ليقتل القطرات سقوطاً من السحب، وتهيج المياه على الأرض مداً، تلتهم فيها ما يمر في طريقها مخلفتاً آلماً ودماراً.
توقفت القطرة “الجد "عن الحديث.
هل يعقل لقطرة أن تبكي ؟
اقترب الحفيد من جده:
- حزنك بادٍ يا جدي.
احتضن الجد حفيدة وعاد للحكاية :
لو لم يكن للبشر على الأرض بصمة عار، لو لم يكن للبشرية، جنون التملك والسلطان، لو لم تجري الدماء ، ولو لم تختلط بالمياه ، لو لم يستغل عرقنا المائي يا ولدي، في صناعات آلات الدمار، لو لم يحدث هذا يا ولدي، لكنا هناك الأن ، في موطننا الأصلي، النقي العذب على ذلك السحاب هناك.
رفعت قطرة الماء رأسها الغائص، في عمق البحار، نظرت بعيداً ، فرأت سحابةً تنحني ، لتسقط من الماء الكثير من القطرات .
- جدي، هنالك قطرات قادمة باتجاهنا.
- لا تقلق ، سيعانون الصدمة ، لكنهم سيتأثرون عاجلاً أم آجلاً، هذا التلوث يدمرنا، أنظر هناك ، أترى ذلك الجسم الضخم في القاع؟
- نعم يا جدي ، ما هذا ؟
- إنه صنيع الإنسان ، صنع ما يدمر به عرقه ويدمر عالمنا ، حتى اختل التوازن في كل مكان ، و ها هي السماء تعود لتبكي الأرض بسبب ما صنع هذا الإنسان.
- هل تلك الحكاية حقيقة يا جدي؟ هل ذلك الكابوس الذي رويته لي حقيقة؟
- ما كنا نتفاداه يا ولدي ، استحال أسوأ مما كنا نخشاه، عالمنا يتهاوى ، والحل بيد الانسان ، نثور ونبدي احتجاجنا بفيضانات و عواصف و قد اغرقناهم ، علهم يسمعون نجوانا، لكن يبدوا بأنهم يرسمون هلاكنا، وقد بدئوا ترتيب ذهابنا جميعاً لعالم النسيان.
بتاريخ
16/5/2016
للكتابه السعوديه الاحسائيه [ آمنه صدقي بوخمسين ]
لمتابعه كل جديد مع الاستاذه هذا الحساب على تويتر : amoonbo50@

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

[احمدالطحان]

السلام عليكم
ملوك ترافيان - حرب التتار
http://tatar3.com/ts6/register.php?ref=129

[انا روبي]

شكرا جزيلا علي الاضافه

شكراااااااااااااااااااااا