سباق نحو الجنان .. كيف تجعل قلبك أسرع القلوب!

[ريحانة الأقصى]

أولا: أن تفيء إلى واحات الإيمان

هذه الواحات مكانها تلك النفوس التي تحولت إلى صحاري لجفافها بسبب ما أصابها من حرارة شمس المادية الحارقة ، وحب الدنيا الطاغي .. فجاءت هذه الواحات لترطب القلوب المتسابقة ، فهي ليست إستراحات نوم وإنما إستراحات عون يحمل فيها القلب زاده الذي يسير به إلى الله ، وبفقده يموت القلب فيخسر السباق ..

فلا تمر على الأسطر مرور النيام ولكن حلق بقلبك فوق كل واحة ، وتزود منها ثم انطلق إلى الواحة التي تليها .

والآن إستعد .. الرجاء ربط الأحزمة فنحن على إستعداد الهبوط في مطار الواحة الأولى ... 5 ... 4 ... 3 ... 2 ... 1 ...

__________________

[ريحانة الأقصى]

[align=center]
الواحة الأولى
ذكر الموت ...

سَأَلَنَا متسابق : لماذا اخترتم هذه الواحة لتكون أول واحة يأوي إليها المتسابقون ؟؟

فأجبناه وقلنا ، لأن رسول الله كذا فعل ، يقول ابن عمر : أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – عاشر عشرة ، فقام رجل من الانصار فقال : يا نبي الله من أكيس الناس " أفطن الناس " ؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت ، وأكثرهم إستعدادا للموت أولئك الأكياس ، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ".


فالمتسابقون الأذكياء هم من يملؤون حقائبهم القلبية من هذه الواحة ..
وأن لا يفارق ذكر الموت قلبه فيجعل عليه قفلا إيمانيا .. ويعلمنا صناعة الأقفال حداد إيماني بارع هو الربيع بن خثيم حيث يقول : " لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد ".

لغز الشاطبي :
كان صاحب كتاب الموافقات ما يتمثل هذه الأبيات :
أتعرف شيئا في السمــاء يطيــر ...... إذا سار هاج الناس حيث يسير
فَتَلْقَاهُ مركوبــا وتلقــاه راكبــــا ...... وكـــل أميـــر يعتليــه أسيـــــــر
يحث على التقوى ويُكْـرَهُ قربـه ...... وتنفر منه النفيس وهو نذيــــر
فلم يستزر عن رغبة في زيارة ...... ولكن على رغم المزور يـــزور

هل عرفت الحل ؟ إنه النعش ، من امتطى صهوته كان أسيره،إذا رأه الناس قصر أملهم وزاد عملهم،ومع ذالك يكرهه الناس وسنفرون من رؤيته،بل ويتناسونه حتى يزورهم رغما عنهم.

فإذا كنت من أصحاب العزم الفتي والقلوب السباقه فما أحلى هذا اللقاء وما اشد الشوق إليه،مصداق قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"من أحب لقاء الله أحب الله لقائه".

من أجل هذا رحب معاذ بن جبل عند إحتضاره بالموت قائلا له : "مرحبا بالموت زائرا مغيب،وحبيب جاء على فاقه"


في اللقاء القادم سأذكر لكم
وسائل ذكر الموت إن شاء الله تعالى
[/align]

[ريحانة الأقصى]

إن [align=center]أول واحة نزلنا بها هي واحة ذكر الموت ، فيا حبذا لو ملأنا قلوبنا من هذه الواحة
لنملأها خشية من الله وحبا للقائه .. فنقول ساعة الموت " مرحبا بالموت " ليطيب اللقاء برب الأرباب ..

ومن وسائل ذكر الموت :-
الوسيله الاولى:زيارت القبور ودفن الموتى.
ذكر أن إبراهيم الزيات لما نظر إلى أناس يترحمون على ميت قال لهم:لو ترحّمون على انفسكم لكان خير لكم، إنه نجى من اهوال ثلاث:وجه ملك الموت وقد رأه،ومرارت الموت وقد ذاق،وخوف الخاتمه وقد امن.

الوسيله الثانيه:مشاهدة المحتضرين.
أن مشاهدة المحتضرين ،وملاحظة سكرات الموت ونزعاته ،مما يقطع عن النفوس لذاتها،ويطرد عن القلوب مسراتها، والكيّس من ملأ كل ذرة من جسده من هذا الزاد ، فيكفيه في سفرته الإيمانية حتى يوصله إلى قبره ..

الوسيلة الثالثة : وصية الإمام.
وإن شئت أخذت بوصية الإمام " حسن البنا " فقال : " ليذكر كل منكم ميتا عزيزا عليه ، وليسأل نفسه : ترى ألن نلتقي مرة أخرى ؟!! وسيجد الجواب في أعماقها : بلى سنلتقي ، وذلك هو برهان الآخرة ".

والآن تنفيذا لوصيته : أغمض عينيك .. وَجُلْ بخاطرك .. وتذكر آخر ميت ودعته .. وسأل نفسك : أين ستلقاه بعد اليوم ؟ [/align]

[ريحانة الأقصى]

كن على يقين أنك لن تقابله إلا في :
(1) الجنة : على سرر متقابلين " وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِممْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الْدَّارِ ".
(2) النار : وبئس القرار حيث التلاوم والعتاب ، ومقاساة العذاب "يَوْمَ يَعُضُ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلَا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلَا لَقَدْ أَضَلْنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولاً "

(3) أن تكون في الجنة وهو في النار : تنظر إليه ، وأنت مشفق وَجِل مما تراه من حاله ، وقد كشف الحجاب بينك وبينه .. فتناديه " أَنْ قَدْ وَجَدْننَا مَا وَعَدَنَا رَبُنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُمْ مَا وَعَدَ رَبُكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ "

(4) أن تكون في النار وصاحبك في الجنة : تنظر إليه وإلى ما حازه من نعيم ورضوان .. ترجوه وتتوسل إليه .. والكلاليب المحماه تعمل أثرها في ظهرك .. تناديه ومن معه من أهل الجنة " أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مَمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ "

__________________

[ريحانة الأقصى]

[align=center]
والآن لنا موعد مع الظلال الوارفة والجنات الناعمة التي توجد في
الواحة الثانية :

الخوف من الله
حمدا لله على السلامة .. وصلنا الواحة الثانية وهي واحة كثيفة الأشجار كثيرة الخيرات فتزود منها ما استطعت

أيها المتسابق الكريم : إعلم أن كل واحد إذا خفت منه هربت منه إلا الله فإنك إن خفت منه هربت إليه فهو المخوف والمرجّى ..

قال فقيه القلوب يحيى بن معاذ : " مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة ".

جاء في الحديث القدسي : " وعزتي لا اجمع لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي ، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي "

وقال عليه الصلاة والسلام : " إني رأيت البارحة عجبا .. رأيت رجلا من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى بها من خشية الله فأخرجته من النار " .

وقال عز من قائل " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى "
[/align]

[ريحانة الأقصى]

ولكن ... خوف لا يتبعه عمل .. وحسرة لا تولد حركة ، لهو خوف مزيف وحسرة كاذبه وحجة على صاحبها لا حجة له ..

فلابد في سباقك أن تخاف من عدة أشياء ...

أن تخاف من سوء الخاتمة فرُب قلوب خاشعة وأعين دامعة وُقِّع في سجل أعمالها
:"عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً ".

كان خليل الرحمن إبراهيم يدعو
:"وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ".

ويوسف يناجي ربه :"تَوَفَّنِي مُسْلِمًا "،فإذا كان هذا حال رسل الله وهم أكرم الخلق على الله واعظمهم درجه ،فكيف بمن لا يساوون
في جوارهم ذرة من تراب ،اليسوا احوج الى هذا الخوف ؟!.وقال ابن القيم :إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنه فإذا كان عند الموت جار في الوصيه،فيختم له بسوء عمله فيدخل النار ..

وقال أحمد بن ابي الحواري "إذا دخلت القبر ومعك الإسلام فأبشر"قلوب الأبرار معلقه بالأعمال..اما قلوب المقربين فمعلقه بالخواتيم ..

يتبع
.
.
.

[ريحانة الأقصى]

يجب ايها المتسابق أن تخاف من عاقبة المعصيه أيضا ...
فالمعصيه الواحده قد يغفرها الله لك كما يملك أن يعذبك بها فاسمع:

"يامغرورا بالاماني :لعن إبليس واهبط من منزل العز بترك سجدة واحده امر بها ..واخرج أدم بلقمه تناولها ..وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانا بملء كف من دم ..فلا تأمنه ان يحبسك بالنار بمعصيه واحده من معاصيك (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) ".

وكذلك الخوف من عدم القبول ..
حيث سأل حاتم الأصم :كيف تصلي؟ قال :" أقوم بالأمر ، وأمشي بالخير،واكبر بالتعظيم ،وأقرأ بالترتيل والتفكر ،وأركع بالخشوع ،واسجد بالتواضع ،واجلس للتشهد بالتمام،واسلم بالسبل والسنه،وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل،وارجع على نفسي بالخوف..أخاف أن لا يقبل مني شيء".

وليس امر النجاة معلقا بكثرة الطاعات، فإن أكبر الطاعه إذا اصابتها آفة العجب والرياء صارت لا قيمة لها مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :"رب قائم حظه من قيامه السهر،ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش".

وكذلك الخوف من الاستدراج..
قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه إستدراج".

قال تعالى :"فَلَمَّا نَسُو مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوابِمَا أُوُتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُبْلِسُونَ ".

يقسم على هذا الحسن البصري فيقول:"والله ما أحد من الناس بسط له في أمر من أمور دنياه ،فلم يخف ان يكون ذلك مكرا به ،وإستدراجا له ،إلا نقص ذلك من عمله ودينه وعقله" .

[ريحانة الأقصى]

[align=center] والآن إحزم أمتعتك واستعد للإقلاع حتى تهبط في مطار :

الواحة الثالثة :

حسرة أهل الجنة

عنوان عجيب ، فكيف يتحسر من فاز ؟ أليس قد نال مراده ؟ وبلغ ما أمل ؟

لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عزّ وجلّ فيها " .

ويجمع الأوزاعي تلاميذه ليشرح لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول :
" ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يوما يوما ، وساعة ساعة ، ولا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا انقطعت نفسه عليها حسرات ، فكيف إذا مرت بهساعة مع ساعة ، ويوم مع يوم ، وليلة مع ليلة ؟!!"

مرّ بهذه الواحة عشاق الجنان وخاطبو الحور وهم كثير ، لكن سنقف مع عاشق واحد ...

يرى عمله يقصر به عن الجنة مالم يُطعّم بظمأ الهواجر ، وقيام ليالي الشتاء ، فلما حضرته المنية بكى حسرة إذا حيل بينه وبين راحته ، وراحته في الظمأ والقيام !!

ذلك هو عامر بن عبد قيس لما سئل عند احتضاره ؟ ما يبكيك ؟ قال :
" ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ، وعلى قيام ليالي الشتاء " .

[/align]

[ريحانة الأقصى]

[align=center]
لابد في طريقنا أن تتعرف أيها المتسابق على عقبات الطريق :

فالشيطان يغيظه أن يقترب المتسابقون من خط النهاية ، ويبقى في النار وحيدا فينصب الكمائن ، ويضع العقبات يبغي بذلك عرقلة متسابق فذّ ، ، أو حرّ تسبقه خطواته إلى الجنان ....

فحذار أن تنسى أن الشيطان فارغ وأنت مشغول ، لا ينام وتنام ، لا تراه ويراك ، ومن نفسك للشيطان عليك عون ...

والآن ... تنبيه إلى جموع المتسابقين : استعدوا لتفادي هذه العقبة وهي :

العقبة الأولى :

طول الأمل

أفق من سباتك قبل أن ينادى فيك بالرحيل

.
.

فإن الدنيا حلم ، والآخرة يقظة ،
والمتوسط بينهما الموت ونحن في أضغاث أحلام

فيا أيها المغرور بطول صحته : أما رأيت ميتا من غير سقم ؟
أبالصحة تغتر ؟ أم بطول العاقبة تستخف ؟ أم الموت تأمن ؟ أم على ملك الموت تجترئ ؟

أما عن أعراض المرض .. وأسبابه .. ودواؤه

ففي المشاركة القادمة بإذن الله
[/align]

[سحااابة شوق]

[align=center][/align]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .