|
|||||||||||||||
اسم المنتدى | منتدى الأحساء التعليمي | المنطقة | الأحساء | سنة التأسيس | 1424-2004 | المؤسس | خالد السعيد | حساب تويتر | kldsed@ | بريد إلكتروني | kld@kld.me | جوال المنتدى | 0506999229 |
|
أدوات الموضوع |
31-08-2009, 09:24 PM | #31 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
شكرا أيها السائر نحو المعالي
كل ما أخشاه أن تتغير النظرة ويتم سحب المدرسة مني خاصة عندما أبدأ في ذكر المواقف التي لم أوفق في التعامل معها بحكمة ...عموما سأحاول أن أواصل قدر طاقتي في سرد المواقف الإيجابية ( وما أسرع ماتنتهي ) حتى تشفع لي عندما أذكر المواقف التي لم تكن فيها الحكمة قريبة مني ذاك الوقت ( وما أكثرها ) . عموما لن يحزنني أن أخرج كفافا ( ليس لي ولا علي ) . تحياتي لشخصكم الكريم
|
|
01-09-2009, 05:10 AM | #32 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
أمسكت بيده وقلت هيا بنا للفصل حتى نقف على الأمر وفي الطريق أكد لي أن الجميع حاول انتشال الطالب من مشكلته فلم يستطيعوا ( يقصد بالجميع المدير والوكيل والمرشد الطلابي وبعض المعلمين ) قلت : كل هؤلاء فشلوا ! قال : نعم , هنا بدأت نشوة التحدي تمازجني وبدأ صوت المغامرة يهتف بي ...دخلت الفصل سلمت على الصغار قامت عيناي تبحث عنه وجدته في مقدمة الصف مازحته لم يجد مزاحي في نفسه قبولا , اختفت كل اللطافة التي كانت على محياه عندما كان معي في غرفة الإدارة تحول وجهه إلى كتلة من الترقب والتوتر , ساهم ذلك في توتري وبدأت أشعر أن المشكلة حقيقية , بدأت أسأل الطلاب بعض الأسئلة وكانوا يجيبون مبتهجين , وجهت لصاحبي سؤالا فساد الفصل موجة من السكون لم يجب سألته عن اسمه لم يجب قلت له بصوت عال يبدو أن متعبا لم يسمع سؤالي لذا لم يجب لذا سأعيد سؤالي عن اسمه لم تنفع حيلتي معه بدأت أطلب منه أن يرد على سؤالي لكن دون جدوى طلبت من المعلم أن يحاول حتى أفكر في حيلة أخرى أكثر جدوى حاول وحاول وسرعان ماعاد لي قائلا: وش رايك يا أستاذ ؟ قلت : أشعر أننا سننجح لكن لنتحلى بالصبر , خطرت لي فكرة وهي أن أستعين بزملائه قلت لهم : من يتحداني ويجعل متعبا يتحدث وله مني مكافأة مالية رفع بعضهم يده ورأيت من أحدهم إصرارا وتحد ناداني بصوت عال: أستاذ أنا أتحداك وسأجعله يتكلم قلت : تعال بجانبه وأمامك عشر دقائق ليتكلم ...للأمانة كان رائعا وهو يحاول معه , استعرض معه ذكريات , حاول إغراءه باللعب معه , ذكره ببعض كلامه خارج المدرسة لكن دون جدوى ...التفت إلى المعلم وأنا أردد يبدو أن المشكلة حقيقية رد علي : قلت لك يا أستاذ , بدأت أفكر في حيلة أخرى ..أخيرا وجدتها نعم نعم لم لا أحاول معه بفتنة من فتن الدنيا نعم المال أعتقد أنه سيضعف أمام المال وسأحفظ ماء وجهي أمام معلمه خاصة وأنني منظر كبير يدعو المعلمين في دوراته التدريبية إلى امتلاك مهارة حل المشكلات , وهاهو المنظر الكبير يقف عاجزا حائراأمام طفل لم يتجاوز التاسعة من عمره , قلت في نفسي إن للمال سحرا وأثرا وقد سجل التاريخ عددا ممن باع وطنه مقابل شيئا من المال , لذا فقد يضعف هذا المتعب أمام النقود خاصة وأن أغلب طلاب المدرسة من بيئة فقيرة , قلت للطلاب سأعطي متعبا خمسين ريالا لو ذكر اسمه صرخ الطلاب في زميلهم بلهجة أحسائية محببة ( يله عاد قول اسمك ) لم يلتفت إليهم قلت في نفسي يبدو أن الخمسين لم تكن كافية لتحريك شهوة المال لديه سأضاعف المبلغ , صحت في الطلاب قائلا : سأعطي متعبا مائة ريال لو ذكر اسمه زادت صرخات الطلاب تطالب الأخ الكريم بالنطق ولكن دون جدوى عندها بدأت نفسي تضيق , التفت للمعلم وأنا أشبك بين أصابعي قلت : يبدو أن المشكلة حقيقية قال : ذكرت لك ذلك , قلت : والحل , قال : لا أدري لكن ألا ترى أنه يستحق الرسوب قلت : لا لا يستحق الرسوب على صمته دعنا نحاول مرة أخرى مارأيك في استخدام العنف معه ؟ مارأيك لو صرخت في وجهه وطالبته بأن يتكلم قال: لم أجرب لكن لنحاول , تراجعت عن الفكرة سريعا قلت : أخشى لو قسوت عليه أن ينقطع عن الدراسة كما انقطع عن الكلام , عندها طرق الباب فإذا بزائر بادرني المعلم قائلا : هذا أبوه
للحديث بقية |
|
02-09-2009, 06:11 AM | #33 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
قلت وأنا أصافح الأب : الله جابك وينك يارجل تعال ساعدنا على هالبطل , أقترب الأب من ابنه وبدأ يهمس في أذنه كلمات عندها أشاح الولد بوجهه , أدركت حيئذ أن الأب زاد الأمرصعوبة خاصة بعد أن قام الوالد يستجدي الصغير أن يتكلم , والولد يدحضه بنظرات حادة , بدأت أفكر في أمر آخر وهو أن استمرارنا على هذه الطريقة لن يجدي , قلت في نفسي لعل هذا الصغير يتهيب الكلام أمام زملائه أو لم يتعود ذلك , التفت للمعلم قائلا : سأحاول للمرة الأخيرة , طلبت من الطفل أن يخرج أمام السبورة مع مجموعة من الطلاب ثم قمت بارجاعهم لأماكنهم الواحد تلو الآخر حتى بقي لوحده عند السبورة مواجها زملائه طلبت منه أن يعطي الطلاب ظهره ويذكر اسمه بصوت ضعيف , خيل إلي أنني سمعته يذكر اسمه طلبت منه مرة أخرى أن يذكره بصوت أعلى , المذهل أنه نطق اسمه , شعرت أنني بدأت في تحديد المشكلة , طلبت منه أن يعطي وجهه لزملائه بشرط أن يضع يديه على عينيه مغمضتين ثم ينطق اسمه , استجاب لي ونطق اسمه بصوت لا يخلو من رجفة , قلت له : استمر في اغماض عينيك ولكن أنزل يديك عن عينيك وانطق اسمك ففعل , بدأت أقرأ في عيون المعلم والأب نظرة إعجاب وإكبار لصاحبكم قلت في نفسي ( وما أكثر ما أقول لنفسي وتقول لي ) الله يستر لا يفسد علي متعب هذه اللذة الكبيرة أقصد نظرات الإعجاب بشخصي الكريم , قلت له : افتح عين واحدة وانطق اسمك ففعل ثم قلت افتح عينيك وانطق اسمك ففعل طلبت من الطلاب والمعلم والأب أن نصفق له بحرارة ففعلوا فابتهج قلت له : أنت مستحق لما وعدتك به وقمت بإخراج مائة ريال وأعطيتها إياه تفاعل والده مع الموقف فأخرج خمسين ريال وأعطاه إياه , التفت إلي المعلم وهو يقول : تدري يا أستاذ أول مرة أسمع صوته في الفصل الله يفتح عليك , قلت له : بقي المرحلة الأهم وهي أن يتكلم كثيرا وبصوت عال ليطرد الرهبة التي عشعشت في نفسه طويلا , قلت للطلاب : سأعمل مسابقة أعلى صوت في الفصل , من يريد أن يشارك رفع أكثر الطلاب أيديهم قلت : سنبدأ بمتعب وطالب آخر والفائز منهما من ينطق اسمه بصوت أعلى , بدأ الطالب الآخر نطق اسمه ومن حسن الحظ لم يكن صوته عاليا , وطلبت من الطلاب تشجيع متعب على رفع صوته , فاز متعب وطلبت من طالب آخر أن يتحدى , وكنت أنا الحكم وفي كل مرة يفوز متعب ولا يخلو بعض فوزه من شبهة ضعف الأمانة من الحكم والميل الواضح لمتعب , قمت بعدها بتغيير المطلوب من الاسم إلى سورة من القرآن ....الرائع أن البطل كان صاحبي , رفعته على الطاولة وطلبت من الجميع أن يصفق له ويحيه , قرأت في عينيه سعادة متدفقة وشعورا بالفرح والبهجة ....عاد إلى كرسيه بدأت أسأل الطلاب عن بعض مادرسوه فوجدته يرفع يده يطلب المشاركة مع زملائه ....نظرت إلى معلمه وأبيه فوجدتهما لا يقلان عني فرحا ....استأذنت المعلم للخروج ودعني بحرارة وامتنان وهو لا يدري أنه صاحب الفضل علي فقد أكسبني خبرة جديدة وعرفني أن التنظير لا يجعل من صاحبه ماهرا في حل المشكلات مالم يكن ممارسا لها....خرجت من عنده وولي الأمر يرافقني شكرته على اهتمامه في متابعة ابنه , خرجت من المدرسة ويغالبني شعور بالحزن الشديد فأنا أضعف ما أكون في مثل هذه المواقف , أستشعرت طلابا في مدارسنا مثل حال متعب و ما أكثرهم قد ذهبوا ضحايا لمعلمين لايرون حلا لهم إلا الرسوب ...ما أبشع هذا الرسوب الذي أصبح حلا جاهزا لكل مشكلة!! ....ما أبشع أن نتقاذف الطالب المسكين كل منا يطعنه من جهة !!
ما ابشع أن نتهمه في نقص عقله وقلة فهمه عندما يصعب عليه فهم مسألة ولا نتهم أنفسنا بنقص المهنية وعدمية الاطلاع على كيفية التعامل مع هذه المشكلات . وإن كان من شكر فهو لذلك المعلم الكريم الذي أرقه حال طالبه وأزعجه واقعه فسعى عند كل من يظن عنده حل أو علاج ناجع فله مني الشكر الجزيل وبارك الله له في نفسه وولده. |
|
03-09-2009, 01:24 AM | #34 |
عضو جديد
تاريخ التسجيل: 07-08-2009
المشاركات: 7
معدل تقييم المستوى: 16 |
رد: من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
[align=center]
أيها المبدع المتعب لله درك مبدع بحجم ما سطرت فأبهرت ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) متعب في اثنتين : - تشويقنا لمواقفكم التي سطرت بأحرف وضاءة ... - أو أن نجاريكم في بحر إبداعكم لنسطر أحرفًا خجلى في حقكم ... بارك الله لكم في علمكم وعملكم ... وتقبل مني وافر الشكر والتقدير لهذا الإبداع المتألق ........ [/align] |
|
03-09-2009, 05:08 AM | #35 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
القيم الغائبة قابلني بابتسامة لا تخلو من توتر رحبت به وجاذبته من أطراف الحديث مايكفي لزوال توتره , أعجبني هدوئه , طلب مني زيارته في الفصل للوقوف على طلابه , زرته فوجدت طلابه على مستوى عال من التمكن بل قد لا أكون مبالغا لو قلت إنه من أفضل مارأيت من طلاب تمكنا من مهارات القراءة والفهم شكرته أمام طلابه فقرأت في عينيه الفرح والشعور بالتفوق والتميز وقمت أتأمله وهو يسترق النظرات إلى طلابه ليرى أثر ثنائي عليه في نفوسهم , خرجت معه وكررت شكري له أمام مدير المدرسة فوجدته لا يستطيع أن يكتم السعادة التي تعلوه , انفردت به وتناقشنا سويا رغبة في مزيد من التميز , سألته عن تخصصه لا أدري لماذا اضطرب قال لي : لست متخصصا وذكر لي تخصصه البعيد عن التربية عموما والتدريس على وجه الخصوص , قلت : كم أنت من رائع !!هذا التميز ولست متخصصا كيف لو كنت متخصصا ؟ ثم ذكرت له أنه يفوق الكثير الكثير بل المئات من المتخصصين, قمت بزيارة المدرسة وكنت أقلب دفاتر التحضير دخل علي في الإدارة وسلم علي بحرارة وجلس بجانبي وبدأ معي حديثا عن طلابه وكيف استطاع أن يصل بهم إلى هذا المستوى , كنت أستمع إليه مشجعا له مواصلة الحديث إلا أنني لا حظت أنه ينظر بين حين وآخر إلى دفاتر التحضير أحسست أن ثمة شيء يخفيه , قمت أراقب لغة جسده فوجدت أنها تحكي لي شيئا آخر غير الذي ينطق به فمه , كان متوترا مترددا , أخيرا قرر البدء فيما كان يريد تنفيذه ..قام فسحب أحد الدفاتر وقام يقلب صفحاته كأنه يبحث عن شيء ..قال : انظر يا أستاذ كيف يخادعك فلان في دفتر تحضيره يحضر يوما ويترك يومين قلت : فلان زميلك قال : نعم قلت : أرجوك أرني أكثر , قام يبحث عن أخطاء أخرى لزميله وهو يرقب باب الإدارة خشية أن يراه أحد , قلت : لو كنت مكاني ماذا تفعل ؟ سكت قلت : خطرت لي فكرة أن أفضح هذا المعلم أمام الجميع في طابور الصباح غدا كما أنني لن أنسى تقديم الشكر لك أمام الجميع على مساهمتك الخيرة في كشف هذا المخادع , حملق في قائلا : أرجوك يا أستاذ لو فعلت ذلك ستحدث فتنة كبيرة, قلت : لكن ألا ترى أن هذا المعلم الذي منحته كامل ثقتي يستحق أكثر من ذلك ؟ قلت له : اترك الأمر لي , قال : أرجوك يا أستاذ لا تفسد بيننا , قلت : أقوم باستدعائه الآن لتوبيخه قال: يا أستاذ جعلتني أندم على فعلتي , قلت : قم اخرج الآن ولي معك حديث بعد الحصة الخامسة , رجع لي وفي وجهه من الضيق والتوجس والتوتر قلت له : هل وجدت حلا ؟ قال : نعم يا أستاذ اعتبر أن الموضوع لم يحدث , قلت بشرط أن تذكر لي لماذا فعلت هذا الموقف مع زميلك , وقبل ذلك أريد أن أسألك عن مستوى علاقتك بزميلك , قال : أروع مماتتصور إنه من أعز زملائي قلت : وهل تعتقد أنك حفظت له حق الزمالة والأخوة ؟ دعني أعود لسؤالي لماذا فعلت ذلك مع زميلك , طأطأ رأسه قلت : كيف ستنظر لزميلك لو كان هو الفاعل ؟ كيف تجرؤ أن تفتح دفتره وليس لك حق في ذلك ؟ أين قيمك وأنت تبحث عن سقطاته وعثراته لتكشفها للآخرين ؟ أين حق الصحبة والزمالة ؟ ماذا لو فعل ذلك طالب من طلابك مع زميله كيف ستنظر إليه ؟ ماذا تسمي هذا الفعل
القبيح في حق نفسك أولا قبل أن يكون في حق زميلك ؟ والأهم من ذلك كله لماذا أسأت الظن في بأنني يمكن أن أقبل هذا السلوك الشائن ؟ لماذا تصورت أنني يمكن أن أقبل أن تكون شوكة أطعن بها خاصرة زملائك ؟ كم يحز في نفسي أن هذا التميز في التدريس لديك يصاحبه غياب في قيم الفضيلة ومكارم الأخلاق وحقوق الأخوة !!! أرجوك أن تستغفر الله وتسعى في تطهير نفسك من الرغبة في الإيذاء والسعي في سقوط الآخرين وكشف عوارهم , شعرت أنه فهم الرسالة جيدا قبل أن أغادر قال : هل ستقول له يا أستاذ , قلت : لا لا الموضوع مخجل حقه أن يطوى . هذا من المواقف التي تحزن وذلك عندما تجد أن من نضع أطفالنا لديه لينهلوا من قيمه ومبادئه وجمال السلوك لديه هو في نفسه في خلو من هذه القيم وبعد عنها , عندها كيف نلوم صغارنا وقد تعلمو الكثير من معلم متورم بالقبح والبشاعة . التعديل الأخير تم بواسطة مسفر ناصر ; 03-09-2009 الساعة 06:08 AM سبب آخر: ا |
|
03-09-2009, 01:30 PM | #36 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
الوكيل المتعلك مع إشراقة شمس جديدة كنت في طريقي لإحدى المدارس الكبيرة في المحافظة دخلت المدرسة فوجدت أن السكون يلف المكان لم يقطع ذلك إلا ترحيب المدير بي قمت بالتوقيع في دفتر الحضور فوجدت من حضر من المعلمين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في حين يفوق عدد معلمي المدرسة الثلاثين , قطع هذا السكون ترحيب مدير المدرسة بي بادلته التحية وسألته عن مدى التزام المعلمين بالحضور المبكر للمدرسة أكد لي أن معلميه على درجة كبيرة من الانضباط والالتزام بالنظام , قلت : وهل تعتقد أن الدقيقتين الباقيتين كافيتان لحضور المعلمين وقيام كل فرد منهم بمهامه سواء مايتعلق بالاذاعة أو ترتيب طلابه ومراقبة سلوكياتهم في المواقف المختلفة قال : ستراهم إن شاء الله في الاصطفاف الصباحي قلت : خير إن شاء الله لنتجه له إذا ...مرت السبع دقائق الأولى ولم يكن في طابور الصباح سوى عدد قليل من المعلمين لم يستطيعوا ضبط العدد الكبير من الطلاب والذي يتجاوز الستمائة طالب , كان الاصطفاف الصباحي مثال معبر عن الفوضى التي تعيشها المدرسة , أكمل هذا العبث لملمة بعض الطلاب ليقدموا إذاعة لم يخطط لها فكان الطالب الصغير يتساءل عن المهمة التي سيقوم بها قراءة قرآن أم حديث شريف , وسط هذه الفوضى دخل المكان شاب بدأ يتجول بين المعلمين الذين تزايد عددهم مع قرب نهاية الاصطفاف لم أتبين ملامحه لكن تبينت أنه يتحرك في أنحاء المكان مبتهجا يلاطف هذا ويمازح ذاك , جاء للسلام على مجموعة من المعلمين قريبا مني فرأيته يمضغ شيئا في فمه ظننته يجتر من بقايا إفطاره لكن تأكد لي أن الأمر ليس كنت أظن فقد كان يضع علكة في فمه يعالجها بفكية بطريقة مقززة أمام الجميع , أثناء عودتي مع مدير المدرسة سألته عن المعلم الذي سلم علي , قال : أي واحد قلت : الذي كان يتعلك أمام الطلاب والمعلمين قال : إنه ليس معلما هذا وكيل المدرسة قلت : ما رأيك في فعله ؟ قال : الله يهديه يا أستاذ تعرف شباب اليوم , قلت : ألا ترى أنه أحوج مايكون إلى نصيحتك , ألا ترى أن هذا السلوك لا يليق بقائد تربوي سيكون يوما من الأيام مديرا لمدرسة , ألا ترى وأنتم في بيئة أغلب سكانها ممن ينظرون إلى المتعلك في مجامع الناس نظرة تحقيروازدراء بل يصفونه بأوصاف لا أستطيع ذكرها , ألا ترى أن المدير والوكيل في المقام الأول يجب أن يكونا منارتين من منارات القيم والفضيلة , تعلم جيدا أيها المدير الفاضل أن الناس أرسلوا لنا أبناءهم لنكسبهم من الخلق رفيعه ومن الفضائل أعلاها , قال : والله إنك صادق فعلا تصرف مايليق إن شاء الله أنبهه على ذلك , قلت : أشكرك على تجاوبك وحرصت , بعدها بدأت في إكمال برنامج الزيارة فقمت بزيارة المعلمين في فصولهم وفوجئت بهذا الوكيل يدخل علي في أحد الفصول يسأل عن أحد الطلاب والطريف أنه يتكلم مع معلم الصف وهو يتعلك بصورة لا تليق بسوقة الناس فضلا عن كونه مربيا وقائدا , لم أعلق وعاد أدراجه بعد أن سأل عن ماجاء من أجله ...قررت مواجهته بخطئه بعد انتهاء زيارتي للمعلمين وتسجيل ملاحظاتي على المدرسة نصحا له , انتهيت من مهمتي ولم يبق علي سوى مناقشة المدير في الملحوظات التي شاهدته خلال الزيارة , جلست مع مدير المدرسة في مكتبه وبدأت في نقاش الملحوظات وقدمت له بعض الاقتراحات التي جربت في مدارس أخرى ونجحت مثل معالجة تأخر المعلمين , عندها دخل علينا الوكيل وجلس قبالتي , قلت : رائع أن يكون الأستاذ الوكيل موجودا لكونكما شريكين في قيادة المدرسة , واصلت كلامي وذهلت أنه ما يزال يحمل العلك في فمه قلت في نفسي لن أترك هذه الفرصة تفوت لا بد من مواجهته ومناقشته حول هذا السلوك الشائن لكن عندما يمتد الحوار قليلا , واصلت حديثي مع مدير المدرسة حول فرص التحسين الممكنة فوجئت بالوكيل يقول أفهم من كلامك يا أستاذ أن شغلنا خطأ وأن المدير ليس بكفء في إدارة المدرسة تعرف يأا أستاذ بأنك أول واحد يتهمنا بالتقصير قلت : سأسأل المدير هل وجدت في كلامي ما يتنقص كفاءتك ؟ هل تناولت شخصك بشيء , ثم التفت إلى الوكيل فقلت له : يا أستاذ أنا أعتذر عن الحديث معك حتى تزيل مافي فمك ؟ ارتبك فلم يكن يتوقع أن أبادله الهجوم بقوة , قال لي وهو يحاول أن يجمع شتاته : العلك مافيه شيء قلت : أن تتعلك منذ الصباح على مشاهدة من الجميع , هل تعرف أيها الحبيب كيف ينظر أولياء الطلاب بل الطلاب إلى من يفعل ذلك أمام الرجال , إذا أردت اذهب لطالب من طلاب الصف الأول واسأله من يأكل العلكة أمام الرجال وش هو ؟ صدقني ستجد الجواب مرا , قال يا أستاذ إذا مجتمعك يرى أن هذا عيب فنحن لا نرى فيه عيبا قلت : أسرتك وقرابتك لايرون ذلك معيبا : قال نعم قلت : كم تظلم قرابتك بهذا الافتراء والله أنني أعرف الكثير من قرابتك من أهل الفضل والمكانة ممن لا يقبلون مثل هذه السلوكيات في المجامع العامة , قال : أنا لا أراه خطأ قلت : لك رأيك لكنني لن أسمح بمزاولتك هذا السلوك أمام أبنائي وسأطلب استدعاءك للحضور لإدارة التعليم ليقوم بعض المختصين بمناقشتك ونصحك , ثم أسألك بالله لو حضر الطلاب غدا وكل يحمل علكته في فمه م الذي ستفعل : قال سأمنعهم قلت : لماذا تمنعهم ؟ قال : لأننا في مدرسة , قلت : ماذا لو احتجوا بأنهم يفعلون كما يفعل الوكيل ولو كان عيبا مافعله , قال : أنا مصر أنني لم أخطىء وبصراحة يا أستاذ أنت اتهمت مديرنا بعدم الكفاءة وضعف الخبرة , قلت : تعتقد أنك بهذا الأسلوب تتقرب من مديرك , هو نفسه لا يرى أنني قمت بانتقاصه كنت أتوقع أنك حضرت إلينا لتقدم بعض مايسهم في معالجة الأخطاء التي تعاني منه المدرسة وبما أنك تقدم دورا آخر غير الدور المتوقع منك كقائد فأنا أطلب أن يكون لقائي مع مدير المدرسة فقط , ارتبك أكثر وقال يعني أفهم يا أستاذ أن أخرج برا , قلت أرغب في اجتماع خاص مع مدير المدرسة لكوني أرى أن وجودك يؤخر المعالجة وسأكون مضطرا لمخاطبة المسئولين بشأنك لاعتقادي أنك تمارس بعض السلوكيات بشيء من الاستهتار قال : أنا لم أخطىء , واستأذن وخرج ...بعد أيام رفعت خطابا للتحقيق مع المعلم في سلوكه المذكور فحقق معه المحقق وسأله عن العلك فأنكر تماما أنه قد تعلك أو أنه حاول استثارة مدير المدرسة واستعدائه , أطلعني المحقق على ردوده المكتوبه وقال لي أشعر أنه يكذب وطلب مني كتابة رأيي فيما أنكره قمت وسطرت كلاما أذكر منه أنني أعتذر له أي للوكيل أن أوقعته في هذا الموقف الذي دفعه ليطمس قيمة عظيمة من أعظم القيم وهي الصدق قلت للمحقق متسائلا : هل يمكن أن تصل البشاعة والقبح هذا الحد ( الانكار للموقف كله ) قلت له : أرجوك أن يقرأ كلماتي التي كتبتها واعتذاري له أن كنت سببا في خروجه من إنسانيته ....وتمر الأيام وأزور المدرسة وأفاجأ أن يقابلني بترحيب كريم وسلوك راق ونظرات خجلى صافحته بحرارة ولم أناقشه فيما مضى .
أريد أن أقول أننا قد نخرج البعض من آدميتهم عندما نقسو عليهم لكن ما الحيلة إذا كانت القسوة في بعض الأحيان هي الطريق الوحيد لإصلاح حالهم , ما الحيلة إذا كان الضرر متعديا صاحبه ليتناول صغارا هم أحوج مايكونون للرعاية والعناية والحفظ . |
|
04-09-2009, 06:13 AM | #37 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
ابنتي هي السبب كنت أقدم محاضرة عن مهارات التدريس المتقدمة لبعض المعلمين في إحدى مدارس أرامكو الكبيرة , كان التفاعل من المعلمين عاليا يسوده المرح ولا يخلو من تعليقات لطيفة من المعلمين , ألقى هذا النشاط المتقد من المعلمين ظلاله علي فغدوت مبتهجا سعيدا وتحولت المحاضرة إلى حلقة نقاش حول الموضوع المطروح حاول كل معلم فيها أن يخرج أجمل مالديه من أفكار وتجارب ونشاطات , ونحن نعيش هذا الجو دخل أحد المعلمين القاعة وتناول كرسيا وجلس عليه يبدو من أثر السنين في وجهه وتقوس أطرافه أنه قاب قوسين أو أدنى من التقاعد, رحبت بقدومه وسألته عن اسمه ومدرسته أجاب جوابا مختصرا يشعر بعدم رغبته في الاجابة عن أسئلة أخرى , عدت إلى موضوعي أواصل النقاش حوله فعاد المعلمون إلى تفاعلهم وكنت أرقب بين حين وآخر هذا الزائر الأخير فأجد في وجهه نفورا وعدم إقبال لست أدري مني أو من موضوع المحاضرة أو منهما معا , قررت أن أتجاهله تماما حتى لا يفسد محاضرتي إنشغال ذهني به , لم أصبر صوبت نظري إليه فوجدته يحدق بي ومازالت نظراته تبعث رسائل تفيض بالكراهية والبغض , تجاهلت تحديقه والتفت لمناقشة المعلمين حول أبرز عناصر المحاضرة , سألتهم إن كان لدى أحدهم استفسارا أو سؤالا , بادر سريعا برفع يده وهو يخرج كلمات يدفعها دفعا : أنا عندي ثلاثة أسئلة , خمنت أنه لن يتحدث بخير وسيسعى للإساءة ما استطاع سبيلا , شعرت أنه يطرح تحديا سافرا , فقررت أن أقبل التحدي ليخرج كل مافي نفسه ,أراد أن يتكلم فقاطعته مستأذنا إياه أن أنبه الحضور على جانب مهم , قلت لهم : أيها الأحبة قبل أن يسأل الأستاذ الكريم أسئلته أريد منكم أن تركزوا في أسئلته لتستفيدوا من خبرته في طرح الأسئلة ,دققوا في انتقائه لألفاظه ومعانيه , دققوا كيف يقدم قيمه وأخلاقه في صورة أسئلة ؟ دققوا في الأدب الجم الذي يصوغ به سؤاله , استفيدوا من خبراته ...قلت في نفسي لعله يفهم هذه الرسالة المبطنة لكن ماكان له أن يتراجع , قلت : هات أسئلتك قال: يا أستاذ نحن نعاني من مدير المدرسة الذي يمنعنا من تصوير الأنشطة التي نقدمهل للطلاب ولذا أقترح وأنتم في طريقكم للمدارس أن تحملوا معكم كراتين أوراق تصوير , قلت : رائع هذا السؤال الأول , هات الثاني , قال : المشرفون التربويون الكثير منهم لا يمتلك كفاءة ولا يوجد بينهم تجانس , وذكر سؤالا ثالثا يتعلق بالتقويم المستمر لا أذكره ...التفت إلى المعلمين قائلا لهم : ألم أقل لكم أنكم ستستفيدون من أسئلة الأستاذ , نظرت إليه بعد طرح أسئلته فوجدته يترقب مني الإجابة , تأملت الحاضرين فأدركت أنهم فهموا الموضوع وكلهم ينتظرون مني الرد قلت لهم : دعوني ألخص لكم أسئلة الأستاذ الثلاثة , السؤال الأول هل توزيع الأوراق على المدارس من أعمال المشرف التربوي, السؤال الثاني لماذا الضعف عند بعض المشرفين , والثالث عن التقويم المستمر |
|
04-09-2009, 02:26 PM | #38 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
قلت له : لعلك ذكرت في سؤالك أنك معلم للصف الأول والذي أجزم أنه يبذل جهدا كبيرا في تدريسه وهذا ما أظن جزما أنك تقوم به بل أجزم تماما أنك تلتزم بواجبك بتوصيل كل طلابك لبيوتهم كل يوم إيابا وذهابا , قاطعني بصوت يفيض بالاعتراض : يا أستاذ ليس من عملي أن أقوم بتوصيل الطلاب إلى بيوتهم أنا مهمتي تبدأ من حضورهم للمدرسة , قلت : مارأيك لو جعلت الحضور حكما بيني وبينك , قام المعلمون يبدون رأيهم واحدا تلو الآخر وقد أجمعوا على أن توصيل الطلاب ليس من مهمة المعلم , قلت : بما أن الجميع قد خالفني فإني أتراجع عن رأيي وأعود إلى رأيك ...وجدت في عينيه بريق الانتصار , قلت : دعونا نعطي رأينا في المسألة الثانية وهي هل من مهام المشرف التربوي أن يقوم بتوزيع الكراتين الخاصة بورق التصويرعلى المدارس , طلبت من الجميع إبداء رأيه فأجمعوا على أنه ليس من مهامه , طلبت رأيه قام يتمتم وكلماته تنطق بالتراجع عن رأيه , قلت له عموما أنا أعدك متى زرت مدرستكم أن أحضر معي كرتونا أو كرتونين من الورق قابل كلامي بابتسامة لا تخلو من لطف ,ثم جاء الكلام عن المشرفين التربويين , قلت له إنهم يتفاوتون في قدراتهم وفهومهم ومهاراتهم فمنهم المتمكن ومنهم المتوسط ومنهم الضعيف وليس من شروط الترشيح أن يكون معصوما من الخطأ أو عالما في فنه بل يجتهد القائمون على التعليم في اختيار الافضل من المعلمين فيصيبون تارات ويخطئون مرات ولعل من تشكو منه ممن لم يوفق المسئولون في اختياره , قاطعني قائلا : لا أنا الذي يزورني من المشرفين من أهل الكفاءة , قلت : يبدو أنك تتكلم عمن يزور غيرك قال : نعم قلت : قد يكون مقصرا وأنت لا تدري ....شعرت أن الحدة بدأت تنفك عن وجهه وظهرت على محياه ابتسامة جميلة , شكرته على أسئلته وشكرت بقية زملائه وودعتهم , استوقفني في الممر قال : يا أستاذ أريد أن أعتذر عن سلوكي معك , لم أكن لطيفا معك لقد أجبرني المدير على حضور المحاضرة مع كثرة مشاغلي وهمومي وقرب تقاعدي حاولت معه أن يرشح غيري فرفض , جئت إلى هنا منفعلا أسعى بكل وسيلة أن أفتعل مشكلة مع أي أحد قلت له : شعرت بذلك منذ الثانية الأولى من دخولك شعرت بعدائيتك مبكرا أرسلت لك رسالة أرجوك فيها أن تكف عما تنوي فعله لكنك كنت مصرا قال : فهمت الرسالة لكنني كنت في حال من لايقبل التراجع ...أعجبني ردك خاصة أن لم تتناول شخصي بشيء مع أنني حاولت الإساءة إليك عن طريق ذم المشرفين , قلت : لكن لدي عتب عليك وهو اختيارك لهذا التصرف مع أن لديك بدائل أكثر فاعلية , قال : مثل ماذا ؟ قلت : أن تحضر الخمس الدقائق الأولى ثم تعتذر من المحاضر بوجود ظرف لديك وتخرج , أو أن تذهب إلى بيتك وتنام قال : يصلح ذلك قلت : نعم عندما لا يكون أمامك إلا خيارين الذهاب للبيت أو أن أفتعل مشكلة فأنا أرجح الذهاب للبيت مهما كانت النتائج ...قال : يا أستاذ أنا أمر بظروف قاهرة فابنتي الكبرى مصابة بمرض السرطان مما يجعلني متوترا وقلقا ومضطربا قلت : أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشمل أبنتك بعظيم لطفه ويمن عليها بالشفاء العاجل ...كرر اعتذاره مرة أخرى قلت له : كم هو رائع هذا الموقف أكسبني صديق كريما وودعته مكررا دعائي لابنته ....بعد سنة أو أكثر زرت مدرسته بشأن أمر ما فوجئت بدخوله الإدارة تعلو وجهه ابتسامة محب متودد سلم علي بحرارة سألته عن ابنته قال : تحت رحمة الله , دار بيني وبينه حديث ممتع , قلت له مداعبا : أوه نسيت كراتين الورق ,ضحك وفي عينيه شيئا من بقايا اعتذار , ودعته مذكرا إياه أن يلح بدعاء ربه سائلا إياه شفاء بنيته .
|
|
04-09-2009, 05:25 PM | #39 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
المعلم ومسئول الاستخبارات
نظرت في خطة الزيارات فوجدتها تشير إلى إحدى المدارس الأهلية , التقيت بمديرها فوجدته كثير الشكاية من كثرة الأعباء التي يتطلبها العمل في المدارس الأهلية , حرصت أن يطول الحديث بيننا بقصد أن أتعرف على مايملكه من كفايات ومهارات وقدرات لتكون منطلقا للتعامل معه بل لترسم لي رؤية واضحة لما يجب أن نحققه من أهداف ...لم أحتج إلى وقت طويل لكشف ذلك فطريقة كلامه ومنهجيته في عرض أفكاره وطريقته في التعامل مع من يأتيه من المعلمين لا ستشارته تكشف لي أنني أمام عامي يتلبس بشهادة ...وجدت أن من الخطأ أن أطلعه على ما أرغب في تحقيقه لكونه لن يدرك كيرا مما أقول , سألته عن المعلمين فقال : ممتازين إلا واحدا , سألته عن تخلف هذا المعلم عن الركب فقال : هذا المعلم ضعيف الشخصية لا يستطيع ضبط الصف , سألته ولماذا لا يستطيع ضبط الصف ؟ قال : معلم ضعيف, قلت : أعلم أنه ضعيف لكن لماذا لايضبط الصف ؟ هل لا يعرف قواعد ضبط الصف , أم لا يمتلك مهارة الامتاع في عرض درسه مما يصيب الطلاب بالملل فيلجؤون للعبث ؟ أم أن بيئة الصف لا تساعد على ضبط الصف لوجود المشتتات من صور ومجسمات وضوضاء ؟ أم وجود عدد كبير من الطلاب المشاغبين ممن كان حقهم التفريق ...قال : ما أدري لكن ستشاهده يا أستاذ وسترى ضعفه وعلى فكرة يا أستاذ هو أقل معلم في الدرجات لذا نحن نفكر في إلغاء عقده وأن نأتي بغيره قلت : مارأيك نؤجل الحكم عليه حتى تتم زيارته أكثر من مرة قال : لا بأس ....اجتمعت مع المعلمين وكان ذاك المعلم بينهم , سألتهم حول مايواجههم من مشكلات وذكروا مشكلات بسيطة لا تستحق الذكر, شكرتهم وقاموا لاعمالهم طلبت من صاحبي أقصد المعلم الذي لا يضبط فصله أن ينتظر سألته عن صفه وطلابه ومدى ارتياحه في التدريس وهل ثمة مشكلات تواجهه أو تعيق عمله , قال : الحمد لله يا أستاذ الأمور على أحسن حال , أدركت صعوبة أن يصارحني , قررت أن أكون واضحا معه قلت له : تعرف كم تقديرك العام الماضي ؟ قال : لا, قلت : كم تتوقع ؟ قال : لا أدري , قلت : ماذا لو علمت أن درجتك 76 وهي أضعف درجة على مستوى المدرسة بل وجميع المدارس الأهلية , قال : لا أدري السبب يا أستاذ , قلت : أستاذ أرجوك ركز معي هل من المعقول ألا تكون أدركت مشكلتك !! ألم يجلس معك المدير ويوضح مشكلتك ؟ قال : هو يقول أنني ضعيف في ضبط الصف ؟ قلت : رائع لكن لماذا أنت ضعيف ؟ قال: لا أدري هو يقول ذلك ....أدركت أن الحديث معه غير مجد , طلبت منه أن أقوم بزيارته في الصف ...ذهبت لزيارته فوجدت عدد طلابه مناسبا كما وجدت أن الصف لا يوجد فيه مايدعو لانشغال الطلاب من مشتتات , بدأ يشرح درسه كان واضحا عليه الارتباك الشديد وكان يصوب نظره إلى جهة أحد الطلاب بين حين وآخر , أدركت أن هناك سرا خلف هذا الطالب , لم يطل تفكيري كثيرا في سر هذا الطالب فقد بدأ هذا الطالب بالعبث والمشاغبة مع من يجاوره , العجيب أنه يشاغب باحترافية وبشكل يستفز به المعلم , أصبح المعلم مشتتا بين هذا المحترف وبين درس يرغب في تقديمه , قام يرفع المعلم صوته ليعلو على صوت المشاغب الصغير لكن هذا المحترف قام ينوع في مشاغباته ويتفنن خاصة وقد استحوذ على أنظار زملائه وبقي المعلم يستجدي أنظار من في قلبه رغبة في علم أو حياء من معلم , قررت أن أتدخل خاصة وأن المعلم يزداد حرجا , طلبت من المعلم أن يتوقف , وطلبت من الصغير أن ينتبه للدرس , بادلني نظرات لا تخلو من تحد , بدأ المعلم يعود لدرسه لكن سرعان ماعاد للحديث والعبث قمت من مكاني وجلست بجانبه فعاود صرخت في وجهه وحذرته من الحركة والعبث , شعرت أن ارتباكا وخوفا بدأ يتسلل إلى نفسه , نظرت إليه والشرريتطاير من عيني , جلس هادئا وبدأ المعلم يعيد درسه مرة أخرى ساد الصف هدوء شديد سوى من صوت المعلم والذي بدأ يشرح درسه بطريقة رائعة , اكتشفت أنني أمام معلم متميز...عندما انتهى شكرته , خرجت معه في الممر , قلت : له كم أنا عاتب عليك , سألتك أكثر من مرة هل تواجه مشكلات ؟ وفي كل مرة تؤكد لي أن ليس ثمة مشكلة وأجد أنك تواجه مشكلة حقيقة مع هذا المشاغب الصغير , قال : والله يا أستاذ أنني خجل منك , كنت أخشى أن أظهر أمامك بمظهر المعلم الضعيف الفاشل , لقد كنت الوحيد الذي لا أريد أن يراني ضعيفا في مواجهة هذا الموقف , قلت : لكن يا أستاذ أنا جئت لمساعدتك ..نجاحك نجاح لي وفشلك فشل لي , على كل حال لا يضيق صدرك , قال : مارأيك في تدريسي ؟ قلت : أخشى أن أصارحك فتصاب بالإحباط وتهيم على وجهك في القفار , ابتسم ابتسامة قلقلة , قلت : باختصار لن أخرج اليوم من المدرسة إلا وقد وضع لك المدير تقديرا عاليا ...يا أستاذ أنت من أفضل المعلمين في المدرسة وتملك قدرات رائعة واستعدادات أكثر روعة ..قال : الله يسعدك يا أستاذ اللي أنصفتني لقد كنت محطما بسبب هذا الولد المشاغب ...تدري يا أستاذ أنه من بداية السنة وهو يشوش علي جميع دروسي وقد اشتكيت لمدير المدرسة ولكن دون جدوى للأسف يقتلهم الخوف , قلت : أي خوف , قال : من والده , قال : يا أستاذ الطفل المشاغب الذي صرخت في وجهه فخاف منك وسكت لأول مرة يتعرض لتوبيخ من أحد ...هذا الصغير يعبث بالمدرسة دون أن يتعرض لمحاسبة لا لشيء إلا لأن أباه مسئول في الاستخبارات العامة , قلت : هذا الذي صرخت في وجهه أبوه مسئول كبير في الاستخبارات , قال : نعم , قلت : ولماذا تركتني أصرخ في وجهه ؟ ثم من قال لك أنني كنت أصرخ عليه ,ألا يحتمل أن يكون الصراخ على الطالب الساكن الذي بجانبه ..ضحك ضحكة جميلة أزالت كل مافي نفسه من قلق وتوتر ...قلت : ياعزيزي إننا في دولة تحكم شريعة الله دولة تكفل حق الأمن لكل أحد...إنني متأكد أن هذا المسئول لو علم بالموضوع لساءه ذلك لعلمه أن تخويف الناس بوظيفة ما يجعله عرضة للعقوبة والتوبيخ من ولاة الأمر...إن المباحث والاستخبارات والشرطة إما جاءت لحفظ أموال الناس وأعراضهم ودماءهم إنما جاءت لننعم في بيوتنا بالأمن ...إنهم حماة لنا بعد الله من المخدرات والارهاب والانحراف العقدي والفكري والفساد الأخلاقي ...إن من هؤلاء من ذهب شهيدا في سبيل استقرار أمننا , إن الاستخبارات لم توجد لتخيف أحدا بل جاءت لتبث في النفوس الأمن ...ذهبت لمدير المدرسة فقال : بشر, قلت : معلم رائع ظلمه الخوف من والد المشاغب الصغير أرجوك أن تخاطبه ليحضر للمدرسة لمناقشة وضع ابنه وإطلاعه على واقعه ...كما أتمنى منك أن تبث في نفوس معلميك أن طلاب المدرسة يجب أن يتمتعوا بمعاملة واحدة وأن من يصدر منه سلوك غير مقبول فيجب على كل معلم أن يطلع مدير المدرسة على ذلك ...قبل أن أغادر طلبت من مدير المدرسة أن يغير درجة المعلم وأن يسعى في مساعدته لا سترداد ثقته بنفسه . |
|
04-09-2009, 11:19 PM | #40 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
المعلم المبدع
حذرني مدير المدرسة أن أثني على ذلك المعلم لكونه لايحب المدح ويراه ضارا للممدوح بل والمادح بل قال : في كل مرة أرغب في تكريمه يرفض رفضا تاما بل ويهدد بالخروج من المدرسة لو أعلن اسمه من المكرمين , عرفت أنه متخرج من الجامعة بتقديرممتاز مع مرتبة الشرف وكان مرشحا ليكون معيدا في الجامعة , سألت مدير المدرسة عن أخلاقه فأثنى عليه خيرا ووصفه بأوصاف كريمة , استأذنت مدير المدرسة لزيارته وجدته منهمكا مع طلابه رحب بي أطلعني على بعض إنجازاته مع طلابه , للأمانة كان معلما مبدعا عظيم الشفقة بطلابه يمارس التعليم رسالة ودعوة لم أشعر بالوقت وأنا أسمع قراءة طلابه , كان حريصا على أن يقدم لطلابه كل ماهو نافع ومفيد , شكرته ودعوت له أن يبارك له في نفسه وولده , اجتمعت به بعد الدرس قلت له : كم أنا سعيد بأدائه وحرصه وأمانته قاطعني قائلا : أرجوك يا أستاذ أريد أن أعرف السلبيات التي لدي لا أريد أن أسمع مدحا قلت : ومن قال لك أنني أمدحك ماذكرته لك إنما هو استهلال أقوله للجميع أقوله للمعلم المتميز وللمعلم الضعيف بمعني أنها ( كليشة) من ضرورات العمل , لا حظت انقباضه قال : طيب يا أستاذ ماهي سلبياتي , قلت : كثيرة لكن قبل أن أقوم بذكرها هل تريدني أذكر إيجابياتك وسلبياتك قال : لا أريد فقط السلبيات , قلت : والايجابيات قال : لا أريدها قلت : طيب سجل عندك أول السلبيات لديك لايوجد عندك إيجابيات ولا مواطن قوة وتميز قال : كيف يا أستاذ , قلت : بصراحة لا أجد لديك موطن قوة واحد ..إذا كنت تعرف جانب قوة لديك اذكره , اتسعت حدقتا عينيه وقام يحملق في السقف , قلت : وجدت شيئا , لم يجب , أخيرا قال : ولا موطن قوة , قلت : ولا موطن قوة وهذا أنت تقف عاجزا أن تذكر موطن قوة واحدا , أتعرف أيها الحبيب لماذا تقف عاجزا عن أن تأتي بنقطة قوة لديك ؟ أتعلم أن جهل الإنسان بمواطن قوته أشبه بمن يملك سيارة تمتلك الكثير من المواصفات الخاصة لكن للأسف لا يعرف صاحبها عنها شيئا فأصبحت مثل غيرها من السيارات التي تفتقد جميع المواصفات الخاصة , قال : أستاذ أشعر أنك تريد أن توصل لي رسالة , قلت : نعم أريد أن أقول لك هناك فرق بين المدح الرخيص وبين التغذية الراجعة التي يمكن من خلالها أن تتعرف على جوانب القوة والضعف لديك , نعم لك الحق أن تعترض لو وصفتك بأنك ممن لو أقسم على الله لأبره أو أن بينك وبين الجنة أن تموت أو أن الله يحبك , أما لو كان الأمر محاولة جادة للتعرف على مستوى الجهود التي نقدمها حتى نعزز الجميل منه ليتكرر ونتخفف من الأخطاء عن طريق السعي في عدم تكررها ...قال : طيب يا أستاذ من غير أن تجاملني ماجوانب القوة والضعف لدي , قلت : لن أجاملك لديك بعض الجوانب الرائعة وكذا لديك بعض مايستحق التحسين لكن ماذا تريد أن نبدأ به , قال : بمواطن القوة طبعا , قلت : تعجبني قال: ممكن أسألك يا أستاذ كيف تتعامل مع النقد ؟ قلت : أحرص على الايجابيات كحرصي على السلبيات هما بالنسبة لي جناحا طائر ...قال : كم أناسعيد بك يا أستاذ وأتمنى أن أحضر لديك بعض اللقاءات , قلت : والله أنني أكثر سعادة بك لعلمي أنك ممن ينفع الله به العباد والبلاد ولا أزكي على الله أحدا , قابلته في عدد من اللقاءت فكان عطرها ومسكها تفاعلا وحضورا وتأثيرا , طلبته ليكون مشرفا تربويا فاعتذر بأنه يجد نفسه في التعليم أكثر ووعدني خيرا في المستقبل. |
|
05-09-2009, 05:41 AM | #41 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
المعلم العنيد
زرت إحدى مدارس الهجر فوجدت معلم الصف الأول وهو من الأقارب غائبا قمت بسؤال طلابه فوجدتهم دون المستوى ,طلبت من مدير المدرسة أن يخبر معلم الصف بضرورة زيارتي في الإدارة لرغبتي في مناقشته حول بعض الجوانب المتعلقة بمستوى الطلاب , لم يمر يومان أو أكثر حتى دخل علي في المكتب وقد ملأ الضيق نفسه لكونه يرى أن طلبي له بالحضور للإدارة إهانة له , وضحت له خطأ فهمه وأفهمته أن مجيئه والنقاش معه لا يعني أنه معلم ضعيف بل يقصد منه الوقوف على فرص التحسين الممكنة رغبة في تجويد العمل , شعرت أن كلامي لم يلامس شيئا في نفسه فمازال الرجل يرى أن حضوره للإدارة أمرا محرجا له , قلت له : دعنا نتجاوز هذا الفهم إلى مناقشة مادعوتك لأجله وهو مستوى الطلاب , قال : وماذا عن مستوى الطلاب ؟ قلت : لم يكن بالصورة المأمولة , قال : أبد غير صحيح مستوى طلابي من أفضل المستويات , قلت : لك الحق أن تصفه بما تشاء لكن ما المعايير التي قمت من خلالها بتقييم طلابك , ثم إنني حكم محايد لكوني أقوم بزيارة جميع مدارس المحافظة وتستوي جميع المدارس لدي وليس من مصلحتي ولا مصلحة القسم أن يكون أحد فصول الصفوف الأولية ضعيفا , قال : مازلت مصرا على أن مستوى طلابي متميز , قلت له : ولكني طبقت عليهم أحد المقاييس المعتمدة علميا فجاءت النتائج دون المطلوب , ثم دعني أسالك هل اطلعت على الجديد من طرائق تدريس الصف الأول ؟ قال : لا , قلت : هل وقفت على أبرز الأساليب الحديثة في تقويم الطلاب ؟ قال : لا , قلت : هل وقفت على أهم الدراسات المتعلقة بجوانب النمو المختلفة لدى طالب الصف الأول ؟ قال : لا , قلت : هل تعرفت على أنماط متعددة من أساليب التعزيز والتحفيز المختلفة ؟ هل وقفت على الكيفية التي يبنى من خلالها البرنامج العلاجي للطلاب الضعاف ؟ قال : لا....قلت : متى حضرت آخر دورة تدريبية ؟ قال : لم أحضر ولا دورة , قلت : لماذا ؟ قال : يقولون مافيها فائدة , قلت : ومن هم الذين يقولون , وكيف تبني قناعتك تجاه أمر ما على ( يقولون ) ...عموما سأكون سعيدا لو سجلت في أحد الدورات التي يقيمها القسم , قال : ليس لي رغبة وأشعر أنها لن تضيف لي شيئا , قلت : أمامك الكثير من الدورات انتق منها مايناسب وقتك سواء هذا الشهر أو الذي يليه المهم أن تحضر وتستفيد , قال : أعتذر لا أرغب ...قلت : القسم يؤكد على معلم الصفوف الأولية الذي يسعى في تطوير نفسه , قال: وما الذي سيحدث عندما أرفض حضور الدورات , قلت : سنبحث عمن يتطور , قال : أرجو ألا تتعب نفسك لن أحضر دورات , قلت : عموما تعلم جيدا ان تخصصك لايصلح لتدريس الصف الأول وأن مكانك الصحيح هو التدريس في المرحلة الثانوية لكونك صاحب تخصص دقيق , قال : ولكني لا أرغب في تدريس الثانوي , قلت : والقسم عندنا لا يرغب في المعلم الذي لا يتغير ولا يتطور في زمن أبرز معالمه التطور , قال : أعتذر عن حضور الدورات كما أرغب في الاستئذان , قلت : صدقني لو خرجت من هذا المكان وأنت مصر على قرارك أن أرفع خطابا بعدم حاجة القسم لك وأطلب الاستفادة منك في تدريس تخصصك صدقني , قال : أنا مكاني تدريس الصف الأول ولن يبعدني أحد , قلت : سيبعدك عنه عنادك ورفضك تطوير نفسك , قال : طيب يا أستاذ سأحضر دورة واحدة فقط , قلت : هذا ماكنت أطلبه منك في البداية , قال : طيب متى أقرب دورة قلت : الأسبوع القادم وسأكون أنا المدرب وكم سأكون سعيدا بحضورك ... خرج من عندي وأنا أعلم أن نفسه تحدثه بالعودة إلي وإعلان رفضه حضور الدورة لعلمي بما في نفسه من المكابرة ومحاولة إثبات الذات , بعد أسبوع دخلت قاعة التدريب بحثت عنه بين المتدربين وجدته قد اختار مكانا في صدارة الحضور غير أن عبوسه وتقطيب وجهه كان مرتفعا , رحبت بالحضور وبدأت البرنامج , لا حظت أنه يرمقني بعينيه حال نظري لغيره فإذا توجهت بنظري إليه صد متشاغلا , كنت متأكدا أنه منزعج من حضوره , بدأت في مناقشة المتدربين فتفاعلوا سواه , استمر على هذا الحال يومين , عندما كان اليوم الثالث بدأت في الثناء على بعض المتميزين في التدريس في مدارس الهجر وذكرت بعض الأسماء وكان من جملة من ذكرت اسمه , عرفت أثر ثنائي عليه في وجهه ونظرته السريعة لمشاهدة وجوه الآخرين حال ثنائي عليه , بدأ يرفع يده يطلب المشاركة في النقاش , فتحت له المجال كما منحته تعزيزا عاليا , كان اليوم الرابع لهذا العنيد غاية في التوهج والتميز بل كان رجل اليوم الرابع والأخير من البرنامج , استوقفني حال خروجي من قاعة التدريب وهو يبدي شكره على ما استفاده من البرنامج , وكان مما قاله أن هذا البرنامج غاية في الروعة والفائدة , قلت : هذا يعني أننا سنراك في البرامج القادمة , قال : لن أحضر إلا عندك , قلت : رائع بالنسبة لي أن أحوز على ثقتك , لكن صدقني أنك لو حضرت عند فلان وفلان ستغير نظرتك ولن أكون مدربك الوحيد , يافلان كما أنه قد يكون لدي ما يفيد فإن لدى زملائي في القسم ماهو أكثر نفعا وعمقا وخبرة , أرجوك أن تتجاوز هذا الرفض وتستبدله بالسعي في تحصيل الفائدة , قلت له : كم دفعت لتحضر هذا البرنامج ؟ قال : لم أدفع شيئا , قلت : أحسنت لم تدفع لكون الوزارة هي التي تدفع أجور المدربين لهذه البرامج المسائية , هل تعلم أيها الحبيب أنني قد سافرت خارج المملكة لحضور برنامج تدريبي تبلغ رسومه 12150 ريال غير الإقامة والتنقل وغيرها , أتعلم لماذا ؟ لأجل أن أعيش حياتي سعيدا , أن أعيش حياة واعية , أن أسابق الزمن بحثا عن نسختي الأجمل معرفة وتفكيرا وسلوكا وفهما للحياة , ياعزيزي لا تفتر عن طلب العلم والمعرفة ولا ترض منها بالقليل , ياعزيزي أتعب جسدك في شبابك فما أسرع مايخونك ويكلك إلى عقلك , قلت : يافلان أنت تحمل بين جنبيك نفسا جميلة فطيبها بالإيمان والعلم , وإنني أجزم أنك ستكون مبدعا في مجالك وتذكر كلماتي هذه جيدا , وتمضي بي وبه الأيام فيتصل بي زميلي مساعد مدير مركز الإشراف أبو حمد ليخبرني بزيارته لإحدى مدارس الهجر وأنه يرغب في تكريم هذا المعلم عن طريق مركز الإشراف , سألته عن اسمه , قال : فلان يقصد صاحبي , قلت : ماشاء الله تبارك الله , قال : الرائع أنه نسب هذا التميز لتوجيهاتك له , قلت : أخشى أنه كان يمكن أن يكونأكثر روعة وإبداعا لو سلمه الله من توجيهاتي , ضحك ضحكته التي تميز بها , قلت : استعن بالله فهو يستحق التكريم وأكثر , قابلت المعلم يوما ما , ذكرته بكلامي السابق وأنني كنت متأكدا أنه سيكون مبدعا , قلت : أتذكر عندما هددتك برفع خطاب للمسئولين أطلب فيها نقلك للمرحلة الثانوية , لقد كنت أدرك أن معدن الذهب قد يحتاج في بعض الأحيان إلى شيء من القسوة ليكون أكثر لمعانا , كنت متأكدا أنك ستدرك يوما من الأيام أنني مافعلت ذلك معك إلا رغبة في نفعك , لقد أحاطني معك أكثر من واجب , الدين والأمانة والمواطنة الصالحة وأخيرا اللحمة والسدى ( بضم اللام الثانية وضم السين في الكلمة الثانية ) والمقصود قرابة الرجل وخاصته . |
|
05-09-2009, 05:56 PM | #42 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
سقراط كان حاضرا
كانت خطتي في الزيارة هذا اليوم من نصيب إحدى المدارس الأهلية التي يجمعني بمديرها مودة كبيرة واحتراما عاليا فهو من مديري المدارس الجادين ومن ذوي الخلق الرفيع والأداء المتميز , استأذنته في عقد اجتماع مع معلمي الصفوف الأولية , رحبت بهم وعرفتهم بنفسي وطلبت التعرف عليهم وعلى خبراتهم , شاركنا في حضور الاجتماع وكيل المدرسة وهو من نفس جنسية المعلمين , ذكرت لهم أن هدف الاجتماع تحديد الأهداف التي نرغب في تحقيقها سويا هذا العام , بدأنا في مناقشة هذه الأهداف وسبل تحقيقها , عندها قام معلم وهو يتكلم بصوت مرتفع : يا أستاذ كل ماستقوله نحن نقوم بعمله , لم أرتح لطريقته في رفع الصوت ولا لأنفاس الكبر والفوقية التي نطقت بها كلماته , وأنا أفكر في الرد عليه بأن يجعل هذا الحكم في آخر الاجتماع بادرني يحمل بين يديه مذكرة كبيرة تضم أنشطة وتدريبات يقدمها لطلابه ويفتح هذه المذكرة أمامي يتصفح ويشرح مافيه من أنشطة , قلت له : شأشاهد كل ما لديك بعد الاجتماع لم يلتفت إلي وواصل شرحه لما تحويه المذكرة من أنشطة , جاملته وبدأت أقلب معه بعض الصفحات طلبت منه بعدها أن يجلس ووعدته بمشاهدة كل ما لديه بعد الاجتماع , قال : أريد أن أريك شيئا مهما وواصل تقليب الصفحات , بدأت نفسي تضيق من تصرفه أمسكت المذكرة وأغلقتها وقلت : أرجوك يا أستاذ لا نريد أن نتأخر في الاجتماع أو أن نخرج منه دون أن نتفق على ماجئت من أجله , رجع لمكانه وهو يتمتم ويقول : حتى تعرف يا أستاذ أن كل ماستقوله نحن نقوم بعمله , قلت : ياعزيزي قد يكون بعض ما أقوله جديدا عليك فلا تعجل , رجعت لمناقشة موضوع الاجتماع فذكرت لهم بعض الآليات التي سنطبقها , شعرت أن سلوك الاعتراض كان سائدا لدى أكثر المجموعة , أدركت تماما أني أخوض تجربة جديدة لم تصادفني من قبل خاصة في المدارس الأهلية التي يغلب على معلميها المسالمة والملاينة , قلت لهم : سنطبق بإذن الله تبادل زيارات بين معلمي المدارس الأهلية في المحافظة حيث سنقوم بزيارة مدرسة أخرى للوقوف على ماعند معلميها من خبرات , رفع المعلم صاحب المذكرة يده قائلا : أما أنا فلن أزور أحدا , قلت : لماذا ؟ قال : لن يضيفوا لي شيئا , قلت : لم لا تترك الحكم حتى نهاية الزيارة , بدأ البعض يشاركه في الرأي لكنهم لا يتصفون بحدية وجلافة صاحب المذكرة , كان الوكيل يراقب الموقف ويحاول أن يلطف من حدية كلام المعلم صاحب المذكرة ويحاول بين حين وآخر أن يعتذر بلطف , ذكرت لهم أننا سنستقبل معلمين من مدارس أخرى لنطلعهم على ما لدينا من خبرات , تكلم صاحب المذكرة قائلا : أنا لن أستقبل أحدا منهم في فصلي , لم أرد ساد السكون الرهيب المكان نظرت إلى الوكيل وجدته منزعجا ومضطربا , أغلقت حقيبتي وقلت : السلام عليكم وقمت وخرجت متجها للإدارة ونفسي تغلي من هذا المعلم وسلوكياته , دخلت الإدارة استقبلني المدير مبتسما قلت له : أرجوك كوبا من الماء , حاول المعلمون الدخول إلى الإدارة , قلت له : أبا فلان تكرما لا تدخل أحدا منهم , قال : عسى ما شر قلت : لا أبد يبدو أنني متعب , حاول المعلمون سوى صاحب المذكرة الدخول فخرج عليهم المدير وطلب من كل واحد منهم أن يذهب إلى حصته , وعاد إلي , حينها دخل الوكيل وهمس في أذن المدير ذاكرا له الموقف , التفت إلي المدير وقال : شف يا أستاذ أولا أنا أعتذر عن الموقف الذي فعله هذا المعلم , والله لوتطلب أن يلغى عقده هذا اليوم لفعلت وقام يطيب نفسي بكلمات طيبة , قمت قلت له : أنا أستأذنك في الخروج من المدرسة وأرجوك ألا تتخذ شيئا تجاه المعلم فقد أكون أنا المخطىء وسأعود إليك بعد أسبوع لمناقشة الموضوع . |
|
05-09-2009, 07:52 PM | #43 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
عدت إلى المدرسة بعد أسبوع , حال أن رآني المدير حتى بدأ في اعتذار طويل من تصرفات معلميه خاصة المعلم صاحب المذكرة , كان مما ذكره أن الوكيل قد ذكر له كل شيء , وصفني بالحلم والأناة ( شككت أنه يقصدني ) ثم ذكر استعداده لاتخاذ أي عقوبة ترضيني تجاه المعلم , شكرته على شعوره وأكدت له أنني سأتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة هي أشد من إلغاء العقد , ذكرت له أنني سأستخدم معهم الطريقة السقراطية , وأنني أريد منه متابعة الموقف وتقييمه , طلبت منه أن يستدعي كل معلم لوحده ....جلست مع الأول وطلبت منه أن يحضر دفتر تحضيره وبدأت في نقاشه في أمور دقيقة في الأهداف السلوكية واشتقاقاتها ومصادرها ومستوياتها ثم انتقلت إلى طرائق التدريس والفلسفات التي تنطلق منها وكل ذلك على شكل أسئلة والمعلم يعلن عجزه عن الإجابة , ثم ألتفت للمدير وأقول له كيف تمكنون الأستاذ من تدريس الطلاب وهو لا يدرك من هذه الأمور شيئا , ساهمت نظرات المدير وحثه المعلم على الإجابة في زيادة توتر المعلم , طلبت منه أن يخرج ويستدعي زميل آخر له ممن يرى نفسه أفضل المعلمين , قبل أن يقوم قال : والله يا أستاذ أنا أعتذر عني وعن زملائي وصراحة أن تسأل عن أشياء أكبر من مستوانا ونريد نستفيد منك فيها , قلت له : لم يترككم الغرور والكبر أن تتعرفوا على ما لدى , عموما سأنظر أنا ومدير المدرسة في مدى صلاحيتك للتدريس لكونك لا تعرف شيئا عن الكثير من الأمور التربوية والنعليمية , قال : المهم ألا يكون في نفسك علينا شيئا , خرج وجاء زميل آخر له فعلت معه مافعلت مع زميله وكانت ردة فعله شبيهه لسابقه , خرج قال لي المدير : بصراحة يا أستاذ ودي أعرف هذه الطريقة , قلت : بعد ما أنتهي من مناقشة المعلم صاحب المذكرة سأخبرك بكل شيء , طلبت المعلم صاحب القضية , دخل علينا متوترا سلم رددت عليه السلام , أراد أن يبرر تصرفه , قال له المدير : لا نريد مناقشة الماضي بناء على رأي المشرف , قلت : لا نريد تضييع الوقت فيما لا ينفع , أنا أرغب في مناقشتك حول بعض القضايا المتعلقة بدفتر التحضير في حضور مدير المدرسة , قال : لا بأس قلت : المعلمون لدي ثلاثة ممتاز ومتوسط وضعيف ولكل واحد منهم مناقشة وحوار مختلف فأين تضع نفسك من هؤلاء ؟؟ قال : أرى نفسي من النوع الأول , لكن أنت يا أستاذ أين تراني ؟ قلت : لست أدري لكن إجاباتك على التساؤلات التي سأطرحها عليك ستكشف من أي نوع أنت , ولعل مديرك هو الذي سيحدد من أي نوع أنت , قال : اسأل مابدا لك , فتحت دفتر التحضير وبادرته قائلا , أستاذ جزما أنك كل درس تصوغ له أهدافا سلوكية , قال : نعم , قلت : مامصادر الأهداف السلوكية التي تأتي بها؟ لم يعرف الإجابة قلت : طيب , لم أشاهدك قد وضعت هدفا وجدانيا في دروسك السابقة , قال : بل وضعت الكثير , قلت : أخرجها لي , قام وأتي بهدف معرفي , مانوع هذا الهدف ؟ قال : وجداني , قلت : أو معرفي , قال : يا أستاذ المهم أن الولد يقرأ ويكتب , قلت : أفهم أنك لا تعرفها , قال : بل أعرفها , قلت : رائع سأقتنع بكلامك عندما تذكر لي مستويات الهدف الوجداني , قال : طيب يا أستاذ ننتقل لنقطة أخرى , قلت : لن ننتقل حتى تقول لي أنها غير واضحة لديك , قال : بصراحة غير واضحة , قلت : ممتاز اتفقنا أن الأهداف السلوكية غير واضحة لديك , قال : نعم , قلت : إذا ننتقل إلى نقطة أخرى , كم طريقة تدريس تستخدم في تدريسك ؟ قال : الكثير الكثير مثل المناقشة والحوار والتعلم التعاوني , قلت : لقد نظرت في دفتر تحضيرك فلم أجد فيه شيئا من هذه الطرق , قال : أنا أستخدمها في الفصل ولا أكتبها : قلت : يعني أنك تكتب خلاف ما تعمل داخل الفصل , هنا تدخل المدير وقال : كيف يا أستاذ يعني الموجود في الدفتر يختلف عن مايطرح في الدرس , قال : ليس مائة في المائة , قلت : لكن دفترك يدل على أنك لا تعرف سوى طريقة واحدة , قال : لا يا أستاذ أنا أعرف الكثير , قلت : رائع تعرف التعليم المدمج , قال : لا , قلت : تعرف الإثارة العشوائية قال : لا , قلت : تعرف مدخل الأحداث الجارية , قال :لا , قلت : تعرف الفرق بين الطرق التالية الحوارية والمناقشة والاستجوابية والأسئلة والأجوبة !! تكلم عن الفرق , قلت : لم يذكر كلامك أحد من المتخصصين , قلت : تعرف الفلسفة التي تنطلق منها الطريقة الإلقائية ؟ قال : لا , قلت : مارأيك لو ذهبنا إلى التقويم , هل تعرف البورتفليو ؟ قلت تعرف أدوات التقويم البديل ؟ قال :لا , قلت : هل تعرف مفهوم الإتقان للمهارة ؟ قال : بصراحة لا , قلت : مارأيك ننتقل لخصائص النمو للصف الذي تقوم بتدريسه , أو نتحدث عن كيف تبنى الأنشطة التي تقدم للطلاب , أو نتكلم عن المعايير المحكية والمرجعية , أو نتكلم عن كيفية بناء البرنامج العلاجي للطلاب الضعاف , قلت : والآن سيحكم مدير المدرسة من أي أنواع المعلمين أنت ؟ قال المدير : بصراحة يا أستاذ فلان أنا مصدوم فيك وأرى أنك لا تستحق حتى أن تكون معلما ضعيفا لم تجب على سؤال واحد, ثم التفت إلي قائلا : شف يا أستاذ لو طلبت مني ابعاده عن تدريس الصفوف الأولية سأنفذ طلبك الآن , قلت : أرغب في سماع رأيه , التفت إلي وفي عينيه انكسار إذا ترى يا أستاذ أني ما أدرس الصفوف الأولية لك ذلك , قلت : بصراحة لا أراك تصلح , التفت إلي قائلا : أستاذ ممكن أذهب للراحة خمس دقائق وأعود , قلت : لا بأس , ذهب ليستريح قال لي مدير المدرسة : أستاذ أشعر أنك تريد تلقينه درسا لا ينساه , قلت : نعم أريد أن يعرف أن الكبر والغطرسة والفوقية سلوك بغيض , أريد منه أن يعرف أنه مهما بلغ من علم فإن مايجهله كثير كثير , أريد أن يعرف أن بركة العلم تظهر في سلوك صاحبه , مرت دقائق دخل علينا المعلم وقد بلغ به من التأثر مابلغ قال لي : والله يا أستاذ إنني سعيد بك فقد كشفت لي الكثير من الأمور وأقدم لك اعتذاري عما بدر مني تجاهك , كما أعتذر لمديري لما سببته له من حرج , أما صلاحيتي للتدريس فهذا شأنكما إن كنتما تريان عدم صلاحيتي للتدريس فالقرار لكما , قال المدير : بصراحة يا أستاذ مواقفك كثيرة وتحرجنا كثير مع الآخرين , قلت للمعلم : لست سعيدا بفوقيتك ولا بانكسارك , ياعزيزي أنت معلم جيد
لكن تفسد تميزك بغطرستك وكبرك , ولولاهما لكنت معلما ذا شأن , أمسكت يده وقلت : حتى لو فرط فيك المدير لن أفرط فيك فمثلك أتعلم على يديه الحلم , ضحك وأعاد اعتذاره , قلت له : والله ماتمنيت أن يكون هذا الموقف بداية لقائي بك وبزملائك , صافحته وأنا أقول لي معك لقاء في الصف عندها لن أرحمك , ضحك وقال : يا أستاذ اللي شفته اليوم يكفي عن سنة ....جلست مع المدير وقلت له : إن سقراط كان حاضرا فهذه منهجيته في الحوار, لقد كان هذا المعلم يفيض كبرا وتيها وكان أحوج مايكون أن يعرفه أحد بقدره حتى تتحطم تماثيل الغرور التي نصبها في صدره فحرصت أن أسأله أسئلة تكشف ضعفه ونقصه , زرت المدرسة مرة أخرى واجتمعت مع المعلمين وكل ما اقترحت شيئا ردوا علي بالموافقة إجماعا , ضحكت من قلبي , قلت لهم : والله أن موقفكم السابق أحب إلي من هذه الموافقة البغيضة , قال أحدهم : والله احترنا إن اعترضنا مش نافعين وإن وافقناك برضه مش نافعين , قلت : يعني مافيش حل وسط , ضحك الجميع وكانت سنة جميلة معهم بل كان أجملهم على الإطلاق ذاك المعلم صاحب المذكرة , قلت لهم في نهاية السنة : لقد كشفت الأيام طيب معدنكم وأصالة أخلاقكم فشكرا لكم . |
|
06-09-2009, 06:18 AM | #44 |
تاريخ التسجيل: 23-11-2007
الدولة: الأحساء
المشاركات: 355
معدل تقييم المستوى: 18 |
رد : من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
الضحية
دخلت على معلم من معلمي الصفوف الأولية يدرس الصف الأول في إحدى المدارس الكبرى فوجدت طلابا كالورود ينطق وجه كل واحد منهم بمستقبل مشرق لهذه البلاد المباركة , ما أجمل أن تمتع عينيك بعالم الطفولة الذي لم تدنسه بعد شهوات الجسد والروح . لفت نظري أحد الطلاب الكبار يجلس في الصف الأخير , يبدو أنه من طلاب الصف السادس قررت الإدارة معاقبته لسلوك بدر منه بأن يدرس مع الصف الأول يريدون تقريعه وتوبيخه ولن تكون مخطئا لو قلت يمسخون إنسانيته هكذا كانوا يفعلون مع بعض زملاء دراستي المقصرين أبان دراستي في المرحلة الابتدائية , قطعت توقعاتي بسؤال المعلم عن الطالب , يبدو أنه لم يحل الواجب قال : لا , قلت : إذا دخل في شجار مع زملائه من طلاب الصف السادس , قال : لا يا أستاذ هذا طالب عندي هنا , لم أستوعب ماقاله , قلت : أيش , قال : من طلاب الصف الأول , قلت : الأول الأول , قال :نعم , قلت : دعنا نخرج من الصف حتى لا يسمع حديثنا , خرج معي , قلت : دخل للمدرسة متأخرا , قال : لا , رسب في الصف الأول خمس مرات وهذه المرة السادسة , قلت : كلها قد رسبها عندك , قال : لا نحن أربعة فصول يدرسها أربعة معلمين رسب عندهم جميعا ثم عاد ورسب عند أحدهم مرة ثانية وهاهو يعود لي مرة ثانية , قلت : وكيف هو ؟ قال : مسالم بدرجة كبيرة لايبدر منه أي إزعاج لكنه لا يفهم شيئا قدراته العقلية ضعيفة , قلت : ولماذا بقي حتى الآن , لماذا لم يحول إلى مسارآخر ؟ قال : لا أملك جوابا....فهمت فيما بعد أن والده يستجدي الإدارة كل سنة أن تبقيه في المدرسة لوجود إخوته ولكون المدرسة أحفظ له من الشارع , قلت للمعلم : ماذا قدمت له ؟ قال : قدمت له الكثير , قلت : مثل ماذا ؟ قال : قمنا باستدعاء والده أكثر من مرة , قلت : أقصد ماذا قدمت له من برامج علاجية , قال : شرحت له كثيرا لكن لا أمل معه هذا يا أستاذ متخلف عقليا ,لديه صعوبات في التعلم , قلت : أنت متخصص في التخلف العقلي أو صعوبات التعلم حتى تحكم بذلك , قال : لا لكن واضح هذه المرة السادسة في الصف الأول , قلت : يعرف الحروف , قال : بعض الحروف , قلت : مثل , قال : لا أذكر , قلت : لديك كشف يوضح الحروف التي يعرفها والحروف التي لا يعرفها , قال : لا , قلت : طيب كيف تقدم له برنامجا علاجيا وأنت لم تحدد مشكلته بالضبط , سكت , قلت : له هل تأذن لي أن أقدم له برنامجا علاجيا لمدة حصتين بعد أن أحدد مشكلته بالضبط , قال : يسعدني ذلك وهي فرصة لأستفيد , عدنا للفصل , قمت اتأمل الطلاب الصغار ثم توجهت بنظري للمكان الذي يجلس فيه , دققت النظر فيه رأيت انه يسترق النظر إلي , لم أقو مواصلة النظر إليه رأيت بؤس الدنيا كلها يرتسم في عينيه , كان شكله بين الصغار يبكي صاحب القلب الحجر بدأت في سؤال الطلاب بحثا عنه , كنت أريده , كنت أحاول أن أقترب منه أثناء المناقشة , كنت أدرك أنه كان خائفا مني , قررت سؤاله , اقتربت منه خيل إلي أنني أسمع صوت دقات قلبه من خوفه وتوتره , سألته عن اسمه وبدأت في مداعبته , مازال متوترا , طلبت منه أن يخرج معي على السبورة بمجرد أن كشف فمه عن ابتسامة جميلة , رجع له التوتر عندما قرب من السبورة , كتبت له حرف الطاء وسألته عنه فعرفه , وضعت عليه كسرة فلم يعرف وكذا ضمة فلم يعرف , أدركت أنه لا يعرف الحروف بالحركات , بدأت برنامجي العلاجي كتبت الطاء مرة أخرى وتحتها كسرة قلت له : هذه طي وقمت ومسحتها وكتبت الطي مرة أخرى وطلبت منه أن يقرأها ومازلت على هذا الحال عشرين دقيقة من غير ملل وبعد أن أتقنها انتقلت إلى الطو ومازلت معه حصتين حتى أتقن حرف الطا بجميع الحركات بل وعدد كبير من الحروف , كنت بين فترة وأخرى أطلب من زملائه التصفيق له بحرارة , خرجت من شفتيه ابتسامة تفيض بالفرح والبهجة , بدأ صوته يظهر , زملاؤه كانوا سعيدين بنجاحه ...شكرت المعلم على صبره معي , قلت له وأنا أسير معه في الممر : أسألك بالله مارأيك ؟ قال : والله يا أستاذ لست مصدقا تفاعل الطالب معك بل وفهمه معك , قلت له : ياعزيزي هذا الطالب ليس متخلفا عقليا ولا عنده صعوبات في التعلم بل يحتاج إلى جهود مضاعفة فإذا كان غيره يفهم من مرة واحدة فهو يفهم في المرة العاشرة لذا ليس مطالبا أن يفهم من المرة الأولى , لقد كنت أنت وزملاؤك تقفون عند المرة الثالثة أو الرابعة ثم تلهبون نفسه بسياط التقريع والتوبيخ ولو أنكم أكملتم معه حتى العاشرة لكان الآن بين طلاب الصف السادس إنه باختصار ضحية نسعى في كل يوم أن نجدد ذبحها , والله إني أخشى علي وعليك أن يتعلق برقابنا أمثال هؤلاء يوم القيامة , أو يكونوا سببا في أن يحبط الله أعمالنا بسبب تقصيرنا معهم , خرجت من المدرسة ذلك اليوم وأنا مثقل بحزن شديد هزني الموقف كثيرا جلست في السيارة مهموما لم أتمالك نفسي من البكاء ...للأمانة كان موقفا مؤثرا ..لم تغب ملامحه عن عيني كثيرا ...كلما أتذكره وأتذكر جلوسه بين الصغار ونظرات الرعب والخوف في عينيه وصبره على الجلوس خمس ساعات يوميا محطما لا ينتظر أملا ولا نظرة من محب . |
|
06-09-2009, 06:47 AM | #45 |
عضو جديد
تاريخ التسجيل: 07-08-2009
المشاركات: 7
معدل تقييم المستوى: 16 |
رد: من جميل الذكريات ( أيام في الإشراف التربوي )
أيها القائد التربوي المبدع اسمح لي أن أقدم لك التحية الإشرافية إجلالاً لجميل الذكريات
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|